القائمة الرئيسية

الصفحات

معركة القادسية وفتح المدائن
عمر بن الخطاب رضي الله عنه : عصر الإسلام




 بعد وفاة ابوبكر الصديق رضي الله عنه تولي عمر بن الخطاب الخلافة في السنة الثالثة عشر من الهجرة ، فكان الصديق رضي الله عنه قد وصي بأن يكون عمر رضي الله عنه الخليفة من بعده

خطبة عمر بن الخطاب رضي الله عنه عند توليه الخلافة :

هناك روايتان لاول خطبة قالها عمر رضي الله عنه عند توليه الخلافة ، و بما ان الخطبتان منسوبتان اليه سنذكرهما فالمهم انهما خطبتاه فلا يهم ايهما كانت اولا.

الرواية الاولي :

 ان عمر رضي الله عنه لما هم بالجوس مكان أبي بكر رضي الله عنه على المنبر تذكّر فضل الصدّيق؛ فنزل درجة تواضعاً، ثمّ حمد الله وأثنى عليه وقال: اقرءوا القرآن تعرفوا به، واعملوا به تكونوا من أهله، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا، وتزينوا للعرض الأكبر يوم تعرضون على الله لا تخفى منكم خافية، إنّه لم يبلغ حقّ ذي حقّ أن يطاع في معصية الله، ألا وإنّي أنزلت نفسي من مال الله بمنزلة ولي اليتيم، إن استغنيت عففت، وإن افتقرت أكلت بالمعروف.

الرواية الثانية :

إنّ الله ابتلاكم بي، وابتلاني بكم بعد صاحبي، فوالله لا يحضرني شيء من أمركم فيليه أحد دوني، ولا يتغيّب عنّي فآلو فيه عن أهل الجزء -يعني الكفاية- والأمانة، والله لئن أحسنوا لأحسنن إليهم، ولئن أساؤوا لأنكلنّ بهم.

لقب امير المؤمنين :

كان عمر رضي الله عنه يسمي خليفة خليفة رسول الله ، فكثرت علي الناس خاصته ان من سيأتي بعده سيصبح اللقب اطول ، فأصبحوا يفكرن في ايجاد لقب اخر يطلق للخليفة ، قال المغيرة بن شعبة لعمر رضي الله عنهما : أنت أميرنا ونحن المؤمنون، فأنت أمير المؤمنين.
الفتوحات في عهده رضي الله عنه :
كانت هناك فتوحات وحروب في عدة جبهات من عهد ابوبكر الصديق رضي الله عنه ، فواصل امير المؤمنين عمر بن الخطاب علي خطئ ابوبكر ولتحقيق بشارات ونبؤاة النبي صلي الله عليه وسلم.

الحرب مع الفرس :

كان هناك ضعف في بلاد فارس اذ لم يكن بها حاكم ، وكان يديرها قائدان من ملوكهم هما رستم وفيروزان وكانا علي اختلاف مما سبب في ضعف فارس ، فتجمع كبار قادة وحكام فارس وبدوأ يبحثوا عن ذكر من ال كسري حتي يستلم ملك بلاد فارس ، حتي وجدوا ابن لكسري كان قد اخفته امه اثناء صراع فارس اسمه يزدجرد علي العرش فتم تنصيبه و تمت وحدة فارس.

بدأ يزدجرد يجهز الجيوش لاسترداد ما اخذ من العراق من قبل المسلمين فجهز ثلاث جيوش موجهة الي الأبلة والحيرة والانبار وهي اعظم المدن  في العراق.
علم المثني بتحركات الفرس فأرسل الي عمر بن الخطاب يخبره بالامر ، فقال امير المؤمنين والله لأضربن ملوك العجم بملوك العرب فأمر المثني بالانسحاب وتوزيع جيوشه بالمياه حتي يرسل له المدد  فانسحب المثني الي البصرة ، وكتب امير المؤمنين الي الي جميع الولايات ليحشد الناس للجهاد ، حج عمر رضي الله عنه وعندما عاد للمدينة وجد الجموع التي جاءت للجهاد ومن كان اقرب للعراق التحق بجيش المثني 
، فجهز امير المؤمنين جيش وامر عليه سعد بن ابي وقاص رضي الله عنه.

وصيت عمر بن الخطاب لسعد بن ابي وقاص :

يا سعد، لا يغرنّك أن قيل: إنك خال رسول الله ؛ فإنه ليس لله نسب إلا الطاعة، فانظر الأمر الذي رأيت النبي منذ بُعِث حتى فارقنا، فالزمه فإن ذلك الأمر، هذه عظتي إياك إن تركتَها ورغبت عنها حبِطَ عملك، وكنتَ من الخاسرين.
خرج سعد بن ابي وقاص علي اربعة الف مقاتل وخيم في صرار عند الماء حسب اوامر امير المؤمنين لانتظار مدد اخر ، ثم تحرك في اتجاه البصرة ليلحق بجيش المثني ، توفي المثني قبل وصول سعد اليه متأثر بجراحه .

معركة القادسيةمحرم الرابع عشر من الهجرة :

جمع سعد الجيش وجعل له قادة و رايات ،  لكل عشرة افراد قائد سماه عريف وجعل لكل مائة عرفاء قائدة ولكل وعلي كل الف حامل راية من السابقين، فتم تقسيم الجيش الي جيوش متكاتفة وجعل علي المقدمة زهرة بن الحوية وعلي الميمنة عبد الله بن المعتم وعلي الميسرة شرحبيل بن السمط وعلي وجعل نائبه خالد بن عرفطة وعلي مؤخرة الجيش عاصم بن عمرو وعلي الطلائع سواد بن مالك وعلي المشاة حمال بن مالك وعلي الفرسان عبد الله بن ذي السهمين وعلي الابل عبد الله الخثعمي ، كانت كل هذه التقسيمات بأوامر مباشرة من عمر بن الخطاب.
تحرك جيش سعد وقوامه ست وثلاثون الف مقاتل حتي وصل القادسية شرقي الفرات ، حسب وصية المثني وعمر بن الخطاب ، وعسكر في القادسية شهرا ولم يصل الجيش الفارسي ، فبدأ يرسل الثرايا والغارات علي المناطق التي نقضت العهد و علي من ليس له عهد ، فبدأ اهل المناطق يرسلون الي يزدجرد ويخبرونه انه اذا لم يتحرك سيستسلمون للمسلمين ، فأمر يزدجرد رستم بأن يتحرك بالجيش بنفسه ، لم يكن رستم يريد الخروج فتأخر اربعة اشهر ثم بعد الضغط تحرك نحو القادسية في جيش عظيم قوامه مئتان واربعين الف مقاتل ، ارسل سعد طليعة من عشرة فرسان من ابطال المسلمين ومعهم  عمرو بن معدي وطليحة الاسدي ، كان جيش رستم يتحرك في مقدمة سبعون الف مقاتل وقلب مائة الف مقاتل ومؤخرة سبعون الف مقاتل وصلت الطليعة حتي المقدمة فقالوا هذا جيش الفرس قادم فقالوا نرجع نخبر سعد اختلف معهم عمر بن معدي وطليحة فقالوا هذه ليست الا مقدمة نكمل السير فرجع العشرة واكمل عمر وطليحة يستطلعان باقي الجيش فتوغلا حتي وصلا قلب الجيش مائة الف كاملة التسليح والعتاد فعرفا انه القلب وان هناك مزيد فأكملا السير حتي وصلا المؤخرة وعرفا ان هذا اخر الجيش وان به قادتهم من الزينة ، فقال عمر نرجع فقال طليحة لا نرجع حتي نهجم ونغنم منهم فتعجب عمر ، في جنح الليل تحرك طليحة حتي وصل وسط الفرس وضرب خيامهم فاسقطها فحدثت ضجة في معسكرهم حتي وصل خيمة رستم واسقطها واخذ حصان رستم ورجع ، فهزت معنويات الفرس وانخلعت قلوبهم ، ثم رجع الي سعد واخبره بالخبر .
اصيب سعد بمرض وانتشرت في جسمه الدمامل وساءت حالته ، فجلس في مكان مرتفع ينظر للجيش ويوجه وسلم القيادة الفعلية الي نائبه خالد بن عرفطة ، و وصل جيش الفرس الي القادسية.
نظم القادة الجيشان ونظما المراسلات كل بين جيشه وعاصمته ، كان عمر بن الخطاب قد امر بأرسال المدد من جيوش الشام فتحرك مدد بقيادة القعقاع ثم تحرك مدد اخر اكبر منه بقيادة هاشم بن عتبة ، قبل بداية القتال ارسل سعد الخطباء ليحثوا الناس علي الجهاد ثم ارسل القراء و قروا سورة الانفال علي الناس .
 اليوم الاول ( ارماث ):
 قال سعد اذا كبرت التكبيرة الاولي كبروا ثم تجهزوا ثم الثانية فكبروا ثم ألبسوا عدتكم والثالث كبروا ثم اصطفوا والرابعة فازحفوا حتي تلاقوا عدوكم ، فكبر سعد الاولي والثانية والثالثة ويحدث كما امر بتكبيرات الجند بصوت واحد وحركة منسقة واحدة فتعجب الفرس وانخلعوا من هذا التنسيق والحركة السريعة ، ثم كبر الرابعة فهجموا علي الفرس واشتد القتال ثم ظهر سلاح الفيلة فقد اشترك في المعركة ثلاث وثلاثون فيل علي رأسها الفيل الابيض ، وكانت تضرب يمينة ويسرة بخراطيمها وارجلها و ترهب خيول المسلمين وكان النبالون وحملت السيوف الطويلة علي ظهرها في تابوت وكان يضربون المسلمين دون ان يصلوا اليهم وكانت هذه الفيلة مغطية ومدرعة بالحديد فضعف المسلمين وتزعزعوا والخيول والابل  تفر من الفيلة واشتد القتل في المسلمين وكادوا يهزموا .
تعجب سعد بن أبي وقاص لما رأى الأفيال من فوق القصر وأنها فوق طاقة المسلمين، فنادى على عاصم بن عمرو الذي يقود ميسرة القلب وقال له: ألا لك في الفيلة من حيلة فقال: بلى والله. فانتخب عاصم أفضل فرقة من قبيلة تميم ، وكانوا من أفضل القبائل رميًا بالسهام، وبدأت هذه الفرقة برمي قائدي الفيلة بالسهام، فكان كل فيل حاملاً تابوتًا كبيرًا عليه أكثر من قائد، وقسَّم عاصم من معه إلى فرقتين: فرقة ترمي قُوَّاد الفيلة بالسهام، والأخرى تندس داخل الجيش الفارسي لتقطع أحزمة التوابيت التي فوق الأفيال، وكانت فكرة عاصم أن تفقد هذه الفيلة توجهها لتتجه نحو الجيش الفارسي. واستطاعت هذه الفرقة أن تصيب طائفة كبيرة من قواد الأفيال، واستطاعت الفرقة التي اندست في الجيش الفارسي أن تقطع أحزمة توابيت الأفيال، وكلما وقع تابوت تقدموا إليه وقتلوا من فيه، وحدث ذلك في معظم التوابيت.
تحرك المسلمون ناحية الجيش الفارسي ويتقدم كذلك الجيش الفارسي وتلتحم الصفوف، واشتد القتال والقتل بين الطرفين  وكانت المعركة على أشدها، وبدأت قبيلتي أسد وبجيلة في دفع بهمن جاذويه إلى الخلف، وكانت مرحلة لم يفكر المسلمون في الوصول إليها، فقد كانت البداية شديدة على قبيلتي أسد وبجيلة، حتى استطاع عاصم أن يرد بأس الفرس شيئًا مابعد تعطيل هجوم الفيلة. وبعد هذا الأمر يستمر القتال بين الفريقين ما بين قاتل ومقتول من الناحيتين حتى بعد غروب الشمس بقليل، ونهكت قوى الفريقين وكان القتال في غاية الشدة، واستمر القتال حتى دخل وقت صلاة العشاء، فبدأ الفريقان بترك أرض القتال كلٌّ منهما عائدًا إلى مكانه ، دون حسم شئ ما لذلك سمي يوم ارماث اي اختلاط الشئ بالشئ ، فلم يحسم القتال لاي من الطرفين مع انه كان هناك تقدم واضح للفرس .
اليوم الثاني (اغواث):
في اليوم الثاني استعد الجيشان لاستئناف القتال ، واصطف الجيشان ، وقبل بدأ القتال وصلت طلائع الجيش الذي ارسله ابوعبيدة من الشام الف مقاتل علي رأسهم القعقاع ، فقام القعقاع بمناورة عسكرية لرفْع الرُّوح المعنوية لدَى المسلمين، فقسَّم فِرقته إلى عشرة فرق صغيرة، قوامُ كلِّ فرقة مائة رجل تدخل ميدان المعركة مكبِّرة، فيكبر المسلمون بتكبيرها، تتابعتِ الفِرق في دخولها، واستمرَّتْ جلجلة التكبير، فازداد المسلمون ثباتًا وقوَّة، ووهن الفُرْس، وقد حذَا حذوَ القعقاع قادة مدد الشام جميعهم.
طلب القعقاع المبارزة فخرج اليه قائد قلب الجيش الفارسي بهمن جاذوية وهو القائد الوحيد الذي انتصر علي المسلمين من قبل في معركة الجسر ، فحدث قتال بينهما وقتل القعقاع بهمن ، فإهتزت معنويات الفرس ، فأخرج رستم البيرزان قائد مؤخرة الجيش وهو احد قواد رستم العظام وخرج معه البندوان فخرج مع القعقاع الحارث بن ظبيان ، فتبارزوا وقتل القعقاع البيرزان وقتل الحارث البندوان ، فطلب القعقاع المبارزة في ذلك اليوم ثلاثون مرو فقتل ثلاثين فارس لوحدة قبل بداية المعركة والالتحام ، فإنخلعت قلوب الفرس واعتراهم الرعب.
ثم حدث قتال شديد، وقد كان الضغط في اليوم الاول من ناحية الفرس تجاه المسلمين، إلا أنه في هذا اليوم تقدم المسلمون ناحية الفرس، وضغطوا عليهم في بداية القتال عكس اليوم السابق، ثم استمر القتال بمنتهى القوة والشدة بين الطرفين ، لم تظهر الفِيَلة في ميدان المعركة يومَ أغواث لانشغال الفرْس بإصلاح التوابيت ووضنها، التي أصابها ضررٌ بالِغ يوم أرماث. وكان هذا اليوم لصالح المسلمين بفضل الخدع الحربية التي قام بها القعقاع وغيره واستطاع القعقاع أن يبعد سلاح الخيل الفارسي من ميدان القتال ذلك أنه عمد إلى الجمال فألبسها خرقاً وبرقعها بالبراقع فصار لها منظراً مخيفاً عندما رأتها خيل الفرس نفرت وفرت هاربة وركب المسلمون أكتاف الفرس ، فلحقتهم خسائر كبيرة، وعندها سدَّد المسلمون ضرباتٍ قوية لقوَّات الفرس، وقتلوا كثيرًا منهم ، واستمر القتال حتي منتصف الليل دون انقطاع ، وسمي اغواث لوصول الغوث فيه من جيوش الشام .
اليوم الثالث (عماس):
كان القَعْقاع  قد بات ليلةَ عَمَاس يُسرِّب أصحابه إلى خارج مَيْدان المعركة، دون أن يعلم به أحد، فلمَّا أصبح الناس يومَ عَمَاس، أقْبَلوا مائةً مائةً، كل فِرْقة تتبع أختها، وكلَّما دخلت فرقة كبَّرت، فكبَّر الناس بتكبيرها، وقد حذَا أخوه عاصمٌ حَذْوَه، فلما وصل أمير مددِ الشام هاشم بن عتبة فعل مثلهما ، فزادت معنويات المسلمين و ثقتهم بالنصر .
عادتِ الفِيلة مرة أخرى إلى مَيْدان المعركة في يوم عَمَاس، فلحق المسلمين منها أذًى كثير، مما جعل سعدَ بن أبي وقَّاص يُرسل إلى عدد من مُسلِمة الفُرْس، فسألهم عن مقاتِل الفِيَلة، فأخبروه بأنَّ مقاتلها في مشافِرها وعيونها، فأرسل سعدٌ إلى القعقاع وعاصم ابْنَي عمرو، فقال لهما: اكْفياني الفِيل الأبيض، وأرسل إلى حمَّال والرُّبيَّل الأسديين، وقال لهما: اكفياني الفِيل الأجرب، فقتلوا الأبيض، وأصابوا الأجرب، فصاح الفِيلان صياحَ الخِنزير، ثم ولَّى الأجربُ فسقط في نهر العتيق وتبعته الفيلة وخرقت صفوف جيش الفرس ،فلمَّا ذهبتِ الفيلة، وخلت ساحة المعركة منها، تفرَّد المسلمون بالفُرْس، فاقتتلوا بالسيوف قتالاً شديدًا، وأعاد المسلمين خدعة الجمال المبرقعة المخيفة، لكنها هذه المرة لم تنجح في اخافة خيول الجيش الفارسي ، كان يوم حماس اشد ايام القادسية علي الجيشان وصبر فيه الجيشان صبرا شديدا فكان يوم بلاء وقتل كثير.
ليلة الهرير :
في ليلة عماس لم يتوقف القتال بين الطرفين كالعادة ، فتقاتلوا في تلك الليلة حتي الصباح ، ولم يكن هناك كلام بينهم سوي  السيوف ، وصبر الجيشان ، 
ولم يكن قتالٌ بليل بالقادسية سوى ليلة الهرير، وتُعرف أيضًا بليلة القادسية من بيْن تلك الليالي، وقد قاتل المسلمون في ليلة الهرير في صفوفٍ ثلاثة، فصَفٌّ فيه الرجالة أصحاب الرِّماح والسيوف، وصفٌّ فيه المرامية، وصفٌّ فيه الخيول، وهم أمام الرجالة ، انقطعت الاخبار من الجيشان الي رستم وسعد ، فكان سعد يدعو حتي الصباح.
اليوم الرابع (يوم القادسية):
استمر القتال حتي اليوم التالي دون توقف و معنويان المسلمين مرتفعة حتي ان القتال كله كان في قطاع الفرس والمسلمين جميعهم في قطاع الفرس وتواصل القتال حتي الظهر (استمر القتال اربع وعشرون ساعة دون توقف).
قام القعقاع بتدبير خطة حتى يُنْهَى القتال الشديد على المسلمين وعلى الفرس؛ ففكَّر في أمر فكر فيه من قبلُ المثنى بن حارثة، حيث فكر في أن يأخذ قبيلة تميم ، ويأخذ معه نجباء المسلمين من المقاتلين، أي أن يأخذ أفضل الجنود من كتيبة الفرسان ويدك بهم قلب الجيش الفارسي، وكان يرأسه بهمن جاذويه، وكان هدف القعقاع بن عمرو أن يفصل الميمنة عن الميسرة؛ فتنقطع الاتصالات بين الفريقين، ومن الممكن بعد ذلك أن يفقدوا السيطرة، ويفقدوا صلتهم بقائدهم ، من منن الله أن المساحة العرضية لأرض القادسية كانت ضيقة، فكان الجيش الفارسي مرتبًا في صفوف بعضها وراء بعض، وقد أسهم ذلك في إلحاقِ الهزيمة بالفرس. وبدأ القعقاع ومعه قبيلة تميم في الضغط على الفُرْسِ، ويبدأ قلب الفرس في الانهيار تدريجيًا أمام الضغط الشديد للمسلمين، وفي الوقت نفسه تمارس قبائل بني قحطان اليمنية الضغط على ميمنة الفرس بقيادة الهرمزان، وتضغط قبيلة قيس على مهران في الميسرة؛ حتى لا تلتف ميسرة أو ميمنة الفرس حول الجيش الإسلامي من الخلف، ويستمر المسلمون في الضغط على الفرس إلى نهر العتيق، وكانت أعداد الجيش الفارسي ضخمة .
في وقت الزوال هبت رياح قوية حتي طارت خيمة رستم ، وتقدَّم القعقاع ومَن معه حتى وصلوا سرير رستم، وقد غادره حين هبَّت عليه الريح واختبأ قرب بغال عليها امتعة ، جاء هلال بن علقمة فرأى البغال فهجَم عليها وقطع حبل أحد الأحمال الذي سَقط على رستم فكسر ظهرَه، فرما رستم نفسه في نهر العتيق، ولحق به هلال بن علقمة في النهر وسحبَه وضربه على رأسه فقتله ، وصاح قتلت رستم ورب الكعبة .
رأى الجالينوس خطورة الامر فأمر مَن بقي من مُقاتلي الفرس بالانسحاب نحو النهر وعبوره نحو المدائن، وبالفعل انسحَبوا، ولكنهم وقعوا في فخ النهر؛ حيث لحق بهم المسلمون بالرماح والنَّبل فقتلوا منهم الألوف وهم في النهر. أرسل سعد بن أبي وقاص في أثَر الجالينوس فرقةً بقيادة زهرة بن حوَّية التميمي، فأدركه زهرة عند الخرَّارة فقتلَه.
فهزم الفرس هزيمة ساحقة و حاسمة وغنم المسلمون غنائم عظيمة علي رأسها راية فارس الكبري وكانت مصنوعة من جلود النمور ومرصعة بالياقوت واللؤلؤ وانواع الجواهر ، وارسل سعد خمس الغنائم والبشارة بالنصر .
مكث سعد شهرين في القادسية ينتظر اوامر امير المؤمنين وبعث السرايا واليعون لفتح القري وتجميع الاخبار ، جاءت اوامر امير المؤمنين بالتوجه الي المدائن.

السير الي المدائن :

في نهاية شوال السنة الرابعة عشر من الهجرة تحرك سعد بالجيش نحو بابل وصلت مقدمة المسلمين وفيها بعض المقاتلين والتقت بجيش صغير للفرس قبل وصول باقي جيش المسلمين فحدث قتال فهزم الفرس ، واستمر سعد حتي عبر الفرات و وصل الي بابل وقاتل من تجمع ببابل وماهي الا ساعة واحدة والفرس مهزومين وفارين ، ولحق زهرة المهزومين وقتل منهم قتلا عظيما ، واستمر السير حتي وصلوا الي المدائن من غرب دجلة (سميت المدائن لكثرة المدن فيها وكانت عبارة عن مدينتين اساسيتين مدينة غرب دجلة والاخري شرق دجلة وبينهما الجسور وايوان كسري المسمي بالابيض في الجهة الشرقية) واستطاعوا رؤية ايوان كسري من غرب النهر فذكرهم جابر بقول النبي صلي الله عليه وسلم 《عُصَيْبَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَفْتَتِحُونَ الْبَيْتَ الْأَبْيَضَ بَيْتَ كِسْرَى》 فكبر المسلمون وصاح ضرار الله اكبر هذا ابيض كسري هذا ما وعد الله وصدق رسوله.

فتح المدائن ذي الحجة الرابع عشر من الهجرة :

حاصر سعد المدائن وارسل الي القري المجاورة ، فأستسلم الناس وخير الفلاحين بين الجزية او الجلاء فغادر بعضهم وبعضهم بقي في حكم الاسلام ودفع الجزية ، واشتد حصار المدائن الغربية ، امر يزدجرد بنقل الاموال والثروات من المدائن الغربية الي الشرقية ونقل النساء بالجسور والسفن كما امر بنقل جميع السفن الي الجهة الشرقية و وضع الحاميات علي الجسور في الجهة الشرقية وغادر كذلك بنفسة.
فتحت المدائن الغربية دون قتال لان الناس قد تركوها ، فصار الفرس شرق دجلة والمسلمين غرب دجلة ولا توجد طريقة لعبور النهر فالجسور محمية والسفن جميعها شرق النهر ، فجمع سعد القادة واهل الرأي يتشاورون في كيفية العبور ، فقالوا له افعل ونحن معك ، فقال سعد اريد مجموعة تحمينا من الجهة الشرقية اذا اردنا العبور ، فتقدم لهذه المهة عاصم بن عمرو للمهمة ومعه ستون من قومه بني تميم وبدأ البحث في نهر دجلة حتي وجدوا منطقة بعيدة الماء اقل فيها من باقي النهر ، فعبر عاصم ومن معه سباحة وبدأوا يحرسون تلك المنطقة ثم امر سعد باقي الجيش فقال اعبروا نستعين بالله ونعم الوكيل لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم ، فبدوأ يخوضون بالخيول والابل وفي النتصف غطي الماء الخيول واصبحت تسبح بمشقة وكان كل جنديان مع بعضهما لمساعدة بعضهما وبدأ الناس يصلون للضفة الاخري ،وصلت حامية فارسية كانت تتابع الجيش فتعجبوا مت رؤية الجيش داخل الماء ارادوا الهجوم فتصدي لهم عاصم ومن معه فهزموهم وفر الفرس فتم عبور الجيش كاملا دون اي خسائر .
انطلق من فر من الحامية الفارسية بالخبر عبر المسلمون من غير سفن ولا جسور فدب الرعب في الفرس ، وخاف يزدجرد وهرب الي حلون واخذ ما يستطيع من المجوهرات واهله وتقدم المسلمون دون معارضة ، فكان الجيش الفارسي قد هرب وتقدم المسلمون حتي وصلوا القصر الابيض اعظم قصر في الدنيا في ذلك الزمان ودخلوا القصر دون اي مقاومة ، وهكذا تم فتح المدائن و وجدوا فيها العجائب من الكنوز والحلي وغنموا غنائم كثيرة لم يرأي العرب مثلها من قبل .
وارسلت الاخبار والغنائم الي امير المؤمنين وبشائر الفتح ونادي عمر بن الخطاب سراقة بن مالك والبسه سواري كسري تحقيق لوعد النبي صلي الله عليه وسلم وبشارته بفتح المدائن.
واصبحت المدائن عاصمة اسلامية يقيم فيها والي العراق وتتحرك منها جيوش المسلمين في تلك المنطقة .

تجمعت فلول الفرس في منطقة جلولا واتفقوا علي قتال المسلمين وبدأوا يجمعون المقاتلين وحفروا خندق حول جلولا ونشروا حسك الحديد وجعلوا عليه طرق خاصة بهم اذا ارادوا الهجوم.
وصلت الاخبار الي سعد فأرسل الي عمر فأمره بتحريك هاشم بن عتبة علي رأس اثنا عشر مقاتل لقتالهم قبل ان تعظم قوتهم ، وصل المسلمين الي جلولا والفرس في خنادقهم واستمر الحصار ثمانون يوما ثم اقتحم المسلمين الخندق وحدث قتال عظيم وقتل كثير من الفرس فهزموا وفروا ولحقهم القعقاع وقتل منهم مقتلة عظيمة .


تعليقات