القائمة الرئيسية

الصفحات


معركة صفين والتحكيم والصلح
الإمام علي كرم الله وجهه


بيعة اهل البصرة :

منع علي ان تؤخذ غنائم من المعركة او يلاحق احد او يؤسر اسير ، وبين للناس احكام قتال البغي (يقول علماء السنة لولا معركة الجمل لما عرفنا احكام قتال البغي ) ، دخل امير المؤمنين علي بن ابي طالب البصرة ، فبايعة اهل البصرة جميعا حتي الجرحي الذين كانوا في جيش عائشة رضي الله عنها فلم يكن احد ينكر خلافته اطلاقا بل كان الخلاف علي ترتيب الأولويات ، نظر علي في بيت مال البصرة فوجد به ستمائة الف و تزيد علي ذلك فقسمها بين الناس ليؤلف القلوب ، واستخلف علي البصرة اميرا عبد الله بن عباس ، وجعل  زياد بن ابي سفيان خراج علي البصرة (زيادة اخو معاوية بن ابي سفيان كان في جيش علي و محمد بن ابي بكر اخو عائشة كان في جيش علي ، اذا فالمسألة فتنة واختلاف اولويات حسب اجتهاد كل منهم ، وليس كما يقول البعض اليوم ان الصحافة تقاتلوا في الحكم وحب السلطة ويطعنون فيهم رضي الله عنهم اجمعين ) ، ثم صلي علي بالناس جيعهم بالمسجد ، وذهب لزيارة ام المؤمنين عائشة ثم خرج منها وكان هناك رجلان يسيأن الحديث عنها وانها اخطأت خارج المنزل الذي تقيم فيه فغضب منهما غضبا شديد وامر ان يجلد كل منهما مائة جلدة لتجرؤهما علي ام المؤمنين ، ثم امر بالتجهيز لإعادتها وارسل معها اخيها محمد ومعه مجموعة من الرجال وارسل معها اربعين امرأة من البصرة وامر بإعطائها مبلغ يكفيها واجراء راتب شهري لها .
جاء اليوم الذي ستغادر فيه السيدة عائشة وجاءها علي ليودعها ، ثم تكلمت مع الناس من وراء حجاب فقالت : يا بني لا يعتب بعضنا علي بعض انه والله ما كان بيني وبين علي في القديم الا ما يكون بين المراءة و احمائها ، وانه على معتبتي لمن الخيار ، فقال علي : صدقتي وبررتي وما كان بيني وبينها الا ذاك ، وانها لزوجة نبيكم في الدنيا والاخرة ، ولم يكتفي بذلك بل سار معها مشيا يشيعها اميالا ثم امر ابناه الحسن والحسين ان يذهبها معها الي الليل .
العودة الي الكوفة :
قرر علي العودة الي الكوفة للاستعدادللذهاب الي الشام وارجاعها تحت رايته ،  وصدر قرار : الا واني راحل غدا فأرتحلوا ، الا ولا يرتحل غدا احد اعان علي عثمان بشئ في شئ من امور الناس وليغن السفهاء عني انفسهم ، " وكالعادة لم يفعلوا ذلك وخرجوا معه".
وصل علي الي الكوفة يوم الاثنين الثاني عشر من رجب بالعام السادس والثلاثون من الهجرة ، فقيل له انزل بالقصر الابيض فقال لا ان عمر بن الخطاب كان يكره نزوله وانا اكره نزوله ، ثم صلي بالناس في المسجد وخطب فيهم و مدح اهل الكوفة وبدأ يستعد للذهاب الي الشام .
ارسل علي جرير بن عبد الله البجلي الي معاوية ومعه كتاب يقول : انه بايعني القوم الذين بايعوا ابوبكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم ، بايعوني علي ما بايعوهم عليه ، فلم يكن للشاهد ان يحتار ولا للغائب ان يرد ، وانما الشوري للمهاجرين والانصار فأن اجتمعوا علي رجل و سموه اماما كان ذلك لله رضا ، فأن خرج عن امرهم خارج بطعن او بدعة ردوه الي ما خرج منه ، فأن ابي قاتلوه علي تباعه غير سبيل المؤمنين و ولاه الله ما تولي .
جمع معاوية من معه من الصحابة وقادة الجيش واعيان اهل الشام و استشارهم فيما يطلب علي فأتفقوا جميعا قالوا : لا نبايعه حتي يقتل قتلة عثمان او يسلمهم الينا (اذا فلم يكن هناك خلاف على ان علي هو الخليفة بل كان رأيهم ان يقيم الحدود اولا ثم يبايعوه ، ولم يسمي معاوية نفسه خليفة ولا احد ممن معه )  .
علي رفض ان يقتل ويلاحق قتلة عثمان في ظل هذه الفوضي وتمزق الامة فهذا الامر سيزيد الفتنة كما حدث بالبصرة ، ودعي معاوية مرة اخري للدخول في البيعة وتنظيم الدولة ثم سيقوم بعد ذلك بمحاسبة قتلة عثمان ، لما رأي علي اصرار معاوية واهل الشام علي عدم البيعة قرر السيطرة علي الشام بالقوة فلا يجوز لجزء من الامة الإنفصال عنها .

معركة صفين صفر السابع والثلاثون من الهجرة :

في بداية محرم خرج علي في طريق الشام وعسكر بالنخلة وهي في اول الطريق المؤدي الي الشام من العراق حتي يلحق به المتخلفون لان الشام قوية جدا وبها سبعون او تسعون الف مقاتل ، اقترح الناس على علي ان يرسل احد غيره لقيادة المعركة ويبقي بعاصمته الكوفة فرفض ، لما علم معاوية بخروج جيش  علي استعد وخرج بجيشه.
بدأ الناس ينضموا للجيشين فوصل جيش علي مائة وعشرين الف مقاتل ، بينما جيش معاوية تسعين الف مقاتل ، وكان علي مقدمة جيش علي الأشتر النخعي و امره الا يتقدم اهل الشام بقتال لكن اذا بادروه يردهم عنه واخبره ان يراسلهم من اجل اعطاء البيعة ، فوصل الاشتر والتزم بالاوامر الي ان وصل علي بباقي الجيش.

استمر مكوث الجيشين متقابلان ليومين ولم يكاتب علي معاوية ولم يكاتب معاوية علي ولم يحدث قتال ، ثم ارسل علي بشير بن عمر الانصاري و سعيد بن قيس الهمداني ومعهم ثالث فلم يتغير شي ثم استمر الرسل الا ان تدخل ابو الدرداء و ابوامامة صحابة النبي صلي الله عليه وسلم فجاء الي معاوية وقالا : فيما تقاتل هذا الرجل ، فقال : اقاتله علي دم عثمان وانه اوي قتلته ، فأذهبا اليه وقولا له ليرد الينا قتلة عثمان للقصاص ، فأن فعل فأنا اول من يبايعه من اهل الشام ، فذهبا واخبرا علي فقال : هؤلاء الذين تريان فنادي علي في الجيش فقال من قتل عثمان : ( فخرج عشرة الف رجل يقولون كلنا قتلة عثمان فمن شاء فليرمنا ) ، فقال علي : لهما كيف اسلم كل هؤلاء فليبايعني ثم تستقر الدولة ثم نقتص منهم فردا فردا ، فرجعا الي معاوية واصر الا يبايع حتي يقتل قتلة عثمان ، فقررا اعتزال الطرفين ، واستمر الرسل بين الطرفين الي ان انتهي شهر محرم دون قتال ولا صلح .
لم يبقي لعلي الا القتال فخطب في الناس فقال : فقال انكم ملاقي القوم غدا فأطيلوا في الليل القيام واكثروا تلاوة القرآن وسلوا الله عز وجل النصر والصبر ، ولاقوهم بالجد والحزم وكونوا صادقين .
ثم اخبرهم خطة القتال وقال لا تبدأوا بالهجوم حتي يبادروكم فأنتم بحمد الله علي حجة وترككم اياهم حتي يبدأوكم حجة اخري فأذا قاتلتموهم وهزمتموهم فلا تقتلوا مدبرا ولا تجهزوا علي جريح ولا تكشفوا عورة ولا تمثلوا بقتيل واذا وصلتم الي رحال القوم فلا تهتكوا سترا ولاتدخلوا دارا الا بأذن ولا تأخذوا شيئا من اموالهم الا ما وجدتم في عسكرهم ولا تهيجوا امراءة بأذي وان شتمن اعراضكم وسببن امرائكم وصلحائكم فأنهن ضعاف القوى والانفس.

بداية القتال واحد صفر :

لما انتهت الاشهر الحرم في اول يوم في صفر بدأ القتال وكان قتال شديد كثر فيه القتل من الطرفين واستمر القتال حتي المغيب وكان القتال متكافئا ، استمر الأمر هكذا لسبعة ايام يلقتي الفريقان ويتقاتلان دون ان تكون الغلبة لأحدهم .
في ليلة اليوم الثامن خطب علي في جيشه ثم في الصباح حمل الراية وقاد الجيش بنفسه وخرج معاوية بنفسه ايضا واشتد القتال في هذا اليوم وكان قتالا شرسا لم يحدث مثله في الايام السابقة كل حين يحمل احدهما علي الاخر ، وكان في جيش امير المؤمنين عمار بن ياسر رضي الله عنه وهو فوق التسعين عاما وكان قد قال عنه النبي صلي الله عليه وسلم "ويح عمار تقتله الفئة الباغية" فكان الجميع يفر منه ويتجنب قتاله ، الا ان قتل عمار بن ياسر في هذا اليوم ، فرمي جنود جيش معاوية اسلحتهم وقالوا نحن الباغون وامر علي بتوقف القتال وسحب جيشه ، فتوقف القتال وعرف الناس بما فيهم جيش معاوية انهم هم البغاة .
يقول اب تيمية : (ان كل من قتل في الفتنة علي ايدي المسلمين انفسهم انما اثمه علي قتلة عثمان ، فهم الذين اشعلوا الفتنة ، والطائفتين الذين اقتتلوا في صفين كلاهما من المؤمنين وان علي افضل من معاوية وان علي ومعاوية كلاهما من صحابة رسول الله صلي الله عليه وسلم ) .
القتال توقف وجنود معاوية يرفضون القتال بعد مقتل عمار فهم الان الفئة الباغية ، فكر علي و امر حذيفة بن اليمان بان يذهب الي جيش الشام والا ينشغل الا بعمرو بن العاص فأن كان هناك احد سيخرجهم مما هم فيه هو عمرو بن العاص ، فذهب وسمع حديث معاوية مع عمرو فقال عمرو : لمعاوية يا امير انما قتل عمار من جاء به الي هنا  فرجع حذيفة واخبر علي ، وانتشرت كلمة معاوية في جيش الشام وعادوا للقتال.
في اليوم التالي قال امير المؤمنين علي لقبيلتي ربيعة وهمذان انتم درعي ورمحي فقودوا القتال فتطوع منهم اثنا عشر الف مقتال قادهم علي بنفسه فهجمة علي وهجموا معه هجمت رجل واحد فلم يبقي لجيش الشام صف مستقيم وبدأ القتل في جيش الشام وبدأ النصر يظهر في جيش علي واشتد القتال وقتل كثير من الناس واستمر القتال حتي صلوا المغرب والعشاء بالاماء وهم يقاتلون واستمر القتال في الليلة كلها (سميت ليلة الهرير وكانت اعظم ليلة شرا في القتال بين المسلمين في التاريخ ) وتكسرت الرماح ونفذت النبال وعلي يتقدم جيشه ويقاتل بنفسه والناس تفر منه فكان شجاعا وقويا وكل العرب تهابه ، وتكسرت السيوف واصبحت الناس ترمي بالحجارة وتتصارع بالايدي ، واستمر الامر الي ان صلوا الفجر ايماء وجاء الضحي وبدأ جيش الشام يتراجع وينهزم .
لجأ معاوية الي عمرو مرة اخري بعد ان بدأت الهزيمة تدب في جيشه فقال عمرو : ارفعوا المصاحف علي الرماح في مقدمة الجيش ونادوهم نتحاكم الي كتاب الله ، فأن اجابوا يتوقف القتال ، وان رفضوا سيختلفون ويتمزق جيشهم ، ففعلوا .
قال علي : انما هي خدعة استمروا ، فعارضه اناس من جيشه وقالوا كيف يدعونا الي التحاكم الي كتاب الله ونرفض ، فقال : انما هي خدعة لما رأوا الهزيمة رفعوا المصاحف ، فقالوا : وان كانت خدعة فأنقسم جيش علي واختلفوا ، عندها امر علي بتوقف القتال بعد اصرار شطر من جيشه وامر الاشتر بالعودة بعد ان كاد ان ينتصر ويكسر جيش الشام ، فجاء الاشتر وصرخ فيهم وهو منهم وقال : يا اهل العراق يا اهل الذل و الوهن احين علوتم القوم وظنوا انكم لهم قاهرون رفعوا المصاحف يدعونكم الي ما فيها ، قد والله تركوا ما امر الله عز وجل فيها و سنة من انزلت عليه صلي الله عليه وسلم ، فلا تجيبوهم امهلوني فوالله قد احسست بالفتح ، فقالوا : لا ، فقال : امهلوني عدو الفرس والله قد طمعت في النصر ، قالوا اذا ندخل معك في خطيئتك ، وهكذا اجبروا علي رضي الله عنه  والاشتر علي توقف القتال.

التحكيم :

بعث علي الاشعث الي معاوية فقال له ماذا تريدون برفع المصاحف ، فقال معاوية : تبعثون رجل ترضونه ونبعث رجلا نرضاه ، ونأخذ عليهما العهد يعملان بما جاء في كتاب الله لا يعدوانه ثم نتبع نحن وانتم ما اتفق عليه الحكمان ، ثم عاد الاشعث الي علي فأخبره فقال الناس رضينا وقبلنا ، وعلي لم يكن يريد كل هذا لكن معظم جيشه لن يقاتل الان .
فأختار اهل الشام عمرو بن العاص واختار اهل العراق ابا موسي الاشعري ، وكتب كتاب التحكيم : 
                          بسم الله الرحمن الرحيم

هذا ما تقاضي عليه علي بن ابي طالب و معاوية بن ابي سفيان وشيعتهما ، فيما تراضيا عليه من الحكم بكتاب الله وسنة نبيه صلي الله عليه وسلم .
قضية علي على اهل العراق شاهدهم وغائبهم ، وقضية معاوية علي اهل الشام شاهدهم وغائبهم ، انا تراضينا ان نقف عند حكم القرآن فيما يحكم به من فاتحته الي خاتمته نحي ما احياه القرآن ونميت ما امات ، علي ذللك تقاضينا وبه تراضينا .
وان علي وشيعته رضوا بعبد الله بن قيس ناظرا وحكما ، ورضي معاوية وشيعته بعمرو بن العاص ناظرا وحكما ، على ان علي ومعاوية اخذا علي عبد الله بن قيس وعمرو بن العاص عهد الله وميثاقه وذمته وذمة رسوله ان يتخذا القرآن اماما ولا يعدوا الي غيره في الحكم بما وجدا فيه مسطورا وملم يجداه في كتاب الله ردياه الي سنة رسوله الجامعة ، لا يتعمدان بها خلافا ولا يبغيان فيها بشبهة ، واخذ عبد الله بن قيس و عمرو بن العاص على علي و معاوية عهد الله وميثاقه بالرضي فيما حكما به مما في كتاب الله وسنتة نبيه وليس لهما ان ينقضا ذلك ولا يخالفان الي غيره ، وهما امننان في حكومتهما علي دمائهما واموالهما واهاليهما واولادهما ، لم يعدو علي الحق رضي به راض او سخط به ساخط ، وان الامة انصارهما علي ما قضيا به من الحق مما في كتاب الله ، فأن توفي احد الحكمين في اثناء حكومته فلانصاره وشيعته ان تختار منهم رجلا من اهل الصلاح علي ما كان عليه صاحبه من العهد والميثاق ، وان مات احد الاميرين قبل انقضاء الاجل المحدود في هذه القضية فلشيعته ان يولوا مكانه رجلا يرضونه ، وقد وقعت القضية بين الطرفين بالمفاوضة والمشاورة ورفع السلاح ، وقد وجبت القضية على ما سمينا من الشرط في هذا الكتاب من موضع الاميرين والحكمين والفريقين ، والله اقرب شهيدا وكفي به شهيدا ، فأن خالفلا وتعديا فالامة بريئة منهما ولا عهد لهما ولا ذمة والناس امنة علي اهاليهم واولادهم واموالهم والسلاح موضوع الي انقضاء الاجل والطرق والسبل امنة والغائب من الفريقين مثل الشاهد في هذا الامر ، وللحكمين ان ينزلا منزلا متوسطا عدلا بين اهل العراق والشام ولا يحضرهما الا من احبا عن تراضي منهما والاجل الي انقضاء شهر رمضان، فأن رأي الحكمان تعجيل الحكومة عجلاها وان رأيا تأخيرها الي اخر الاجل اخراها ، فأن هما لم يحكمان بما في كتاب الله وسنة نبيه الي انقضاء الاجل ، فالفريقان علي امرهم الاول من الحرب ، وعلي الامة عهد الله وميثاقه في هذا الامر ، وهم جميعا يد واحدة في هذا الامر علي من اراد الحادا او ظلما او خلافا .

   شهد من اهل العراق الحسن والحسين ابنا علي وعبد الله بن عباس والاشعث وسهل بن غيث وغيرهم .
 وشهد من اهل الشام حبيب بن مسلمة والاعور وعبد الرحمن بن خالد بن الوليد وعبد الله بن عمرو بن العاص وغيرهم.
وكتب يوم الاربعاء السابع عشر من صفر السنة السابعة والثلاثين من الهجرة .
وخرج الاشعث يقرأ الكتاب علي الطرفين ويعلمهم ، وبدأ الناس يدفنون موتاهم ورجع معاوية الي الشام ورجع علي الي الكوفة.

تعليقات