القائمة الرئيسية

الصفحات

 

الدعوة الجهرية للاسلام


ثباته صلي الله عليه وسلم علي دعوة الحق :

مرت الايام والنبي صلي الله عليه وسلم مستمر في دعوته ، واسلم عمر بن الخطاب واصبحت الدعوة علنية ، فتضايق سادات قريش، فاجتمع سادات قريش في دار الندوة فقرروا ان يعرضوا علي النبي صلي الله عليه وسلم امر جديد ليزحزحوه عن دعوته ، فجلسوا معه عليه الصلاة والسلام ، فقالوا يامحمد قد جئناكم بامر لم نعرضه عليك من قبل ولم نؤته لاحد غيرك ، ففقالوا نعبد إلهك يوم وتعبد الهتنا يوم ، فقال صلي الله عليه وسلم لا ، فتشاوروا وقالوا نعبد إلهك اسبوع وتعبد الهتنا يوم ، فقال عليه الصلاة والسلام لا ، فتشاوروا ثم قالوا له نعبد إلهك سنة وتعبد الهتنا يوم ، فقال عليه الصلاة والسلام لا ، ونزل فيهم قوله تعالي《لْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6)》، ففي امر العقيدة لايوجد لين ولا تهاون لذلك كان عليه الصلاة والسلام ثابتا علي موقفه وصابرا علي الاذي.
كان من اشد الناس اذي للنبي صلي الله عليه وسلم جيرانه ، فكان من جيرانه عمه ابو لهب والحكم بن ابي العاص وعقبة بن ابي معيط و عدي بن حمراء الثقفي ، فتعاهدوا عليه فكانوا يضعون اوساخهم وقذارتهم امام بابه عليه الصلاة والسلام ، فما كان منه الا انه اذا اتي عليه الصلاة والسلام ووجد اوساخ امام بابه اخذها وعزلها عن الطريق ويناديهم بصوت عالي اهذا حق الجوار .
وفي يوم كان النبي صلي الله عليه وسلم يصلي عند الكعبة وكان هناك جماعة مت سادات قريش ينظرون اليه وهم مغتاظون ، فجاءت جماعة وذبحوا بعير عند الكعبة واخرجوا امعائها فقال احدهم من يأخذ امعاء البعير ويضعها فوق رأس محمد وهو ساجد فتطوع عقبة بن معيط وقال انا ، فأخذها و وضعها فوق رأس النبي صلي الله عليه وسلم اخذاوا يضحكون ضحكا شديدا يقول احد الحاضرين كانوا يضحكون حتي صاروا يتمايلون من الضحك ، والنبي عليه الصلاة والسلام ساجد في مكانه ولم يتحرك ، حتي جاءت فاطمة بنته صلي الله عليه وسلم وازالة عنه القاذورات وهي تبكي رضي الله عنها ، فلما انتهي عليه الصلاة والسلام من صلاته التفت عليهم واخذ يدعو اللهم عليك بعقبة بن معيط ، اللهم عليك بعتبة بن ربيعة ، اللهم عليك بشيبة بن ربيعة ، واخذ يسميهم واحدا تلو الاخر ، يقول احد الحاضرين : و الله لقد رأيت كل من سمي صريعا يوم بدر (كلهم قتلوا يوم بدر ) .

مقاطعة قريش لبني هاشم :

عندما نزلت الايات الاخيرة من سورة النجم قرأها صلي الله عليه وسلم عند الكعبة فقرأ قوله تعالي 《وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى (43) وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا (44) وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (45) مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى (46) وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى (47) وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى (48) وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى (49) وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى (50) وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى (51) وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى (52) وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى (53) فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى (54) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى (55) هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى (56) أَزِفَتِ الْآزِفَةُ (57) لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ (58) أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ (59) وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ (60) وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ (61) فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا (62)》 وسجد النبي صلي الله عليه وسلم وسجد المؤمنون وسجدت قريش من عظمة الايات وبلاغتها كل من سمع هذه الايات من سادات مكة سجد الا رجل عجوز فأخذ تراب و وضعها علي جبينه ، وانتشر الخبر في الناس ان قريش سجدت لكلام محمد ، حتي وصل الخبر لاصحابه في الحبشة ان قريش قد اسلمت ، فعاد بعضا من الصحابة لمكة عند سماع هذا الخبر .
عندما رأت قريش انهم حتي هم بدوأ يتآثروا بهذا الدين وهذه الايات جلس يتشاورون ويدبرون فاتفقوا علي عزل النبي صلي الله عليه وسلم ومن امن معه فامروا بالمقاطعة (لا يشتري منهم احد ولا يبيع لهم احد ولا يتزوج منهم احد ولا يزوجهم احد ، حتي اذا جاء احد من خارج مكه عنده طعام يمنع من ان يبيعه لهم ) لما علم ابو طالب بالامر جمع بنو هاشم وقال لهم اترضون ما تصنع قريش قالوا لا فاتفقوا علي دعم النبي عليه الصلاة والسلام ، لما علم ابو جهل بالامر جمع سادات قريش وقال ارأيتم ماذا فعل ابو طالب ، فقال نقاطع بني هاشم ، فاتفقوا علي مقاطعة بني هاشم وكتبوا بذلك صحيفة بداؤها بسمك اللهم وكتبوا فيها كل بنود المقاطعة وعلقت الصحيفة في الكعبة ، هنا جمع ابي طالب كل بني هاشم في شعب خارج مكة حتي يعينوا بعضهم وسمي شعب ابو طالب ، واستمرت المقاطعة ثلاث سنوات ، ضاق فيها حال بني هاشم حتي لم يستطيعوا شراء طعام ، كان هناك قليل من سادات مكة يدعمون بني هاشم للقربة بينهم ، ولكنه كان قليل لا يسد حاجتهم فوصل الجوع عند بني هاشم الي شدته.
في احد الايام مشي هشام بن عمرو الي زهير بن ابي امية المخزومي وكانت أمه عاتكة بنت عبد المطلب، فقال له: يا زهير، أقد رضيت أن تأكل الطعام، وتلبس الثياب. وتنكح النساء، وأخوالك حيث قد علمت؟! لا يبتاعون، ولا يبتاع منهم، ولا ينكحون ولا ينكح إليهم، أما إني أحلف بالله لو كانوا أخوال أبي الحكم بن هشام، ثم دعوته إلى مثل ما دعاك إليه منهم ما أجابك إليه أبدا، قال: ويحك يا هشام، فماذا أصنع؟! إنما أنا رجل واحد، والله لو كان معي رجل اخر لقمت في نقضها، فقال له: قد وجدت رجلا، قال: من هو؟ قال: أنا، فقال له زهير: أبغنا ثالثا.

فذهب إلى المطعم بن عدي فقال له: يا مطعم، أقد رضيت أن يهلك بطنان من بني عبد مناف، وأنت شاهد على ذلك، موافق لقريش فيهم؟ أما والله لو أمكنتموهم من هذه لتجدنّهم إليها منكم سراعا، قال: ويحك فماذا أصنع؟ إنما أنا رجل واحد، قال: قد وجدت لك ثانيا، قال: من؟ قال: أنا، قال: أبغنا ثالثا، قال: قد فعلت، قال: من؟ قال: زهير بن أبي أمية، فقال أبغنا رابعا، فذهب إلى أبي البختري بن هشام، فقال له نحو ما قال للمطعم بن عدي، فقال له: ويحك وهل نجد أحدا يعين على ذلك؛ قال نعم: زهير بن أبي أمية، والمطعم بن عدي، وأنا، فقال: أبغنا خامسا.

فذهب إلى زمعة بن الأسود بن المطّلب بن أسد، فكلمه وذكر له قرابته وحقّهم، فقال له: وهل على هذا الأمر الذي تدعوني إليه من أحد، قال: نعم، ثم سمّى له القوم.

فاتّعدوا خطم الحجون  ليلا بأعلى مكة، فاجتمعوا هنالك، وأجمعوا أمرهم، وتعاقدوا على القيام في الصحيفة حتى ينقضوها، وقال زهير: أنا أبدؤكم فأكون أول من يتكلم، فلما أصبحوا غدا إلى أنديتهم، وغدا زهير بن أبي أمية عليه حلّة، فطاف بالبيت سبعا، ثم أقبل على الناس فقال: أنأكل الطعام، ونلبس الثياب، وبنو هاشم هلكى لا يبتاعون، ولا يبتاع منهم، والله لا أقعد حتى تشق هذه الصحيفة القاطعة الظالمة. فقال أبو جهل، وكان في ناحية المسجد: كذبت والله لا تشق، فقال زمعة بن الأسود: أنت والله أكذب ما رضينا كتابتها حين كتبت!! فقال أبو البختري:

صدق زمعة لا نرضى ما كتب فيها، ولا نقرّ به، فقال المطعم بن عدي: صدقتما وكذب من قال غير ذلك، نبرأ إلى الله منها ومما كتب فيها، وقال هشام بن عمرو نحوا من ذلك، فقال أبو جهل: هذا أمر قضي بليل، تشوور فيه في غير هذا المكان، وأبو طالب جالس في ناحية المسجد لا يتكلم.

وقام المطعم بن عدي إلى الصحيفة ليشقها، فوجد الأرضة قد أكلتها إلا «باسمك اللهم» فأنتهت المقاطعة وعاد بني هاشم الي مكة.

يذكر ان النبي صلي الله عليه وسلم اتي عمه ابو طالب فقال : يا عم إن الله قد سلّط الأرضة على صحيفة قريش، فلم تدع فيها اسما هو لله إلا أثبتته فيها، ونفت منها الظلم، والقطيعة والبهتان، فقال: أربّك أخبرك بهذا! قال: «نعم» قال: فو الله ما يدخل أحد، ثم خرج إلى قريش فقال:

يا معشر قريش، إن ابن أخي قد أخبرني بكذا وكذا، فهلمّ صحيفتكم، فإن كانت كما قال فانتهوا عن قطيعتنا، وانزلوا عنها، وإن كان كاذبا دفعت إليكم ابن أخي، فقال القوم: قد رضينا، فتعاقدوا على ذلك، ثم نظروا فإذا هي كما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فزادهم ذلك شرا، ونسوا ما تعاقدوا عليه، فعند ذلك صنع هذا النفر من قريش ما صنعوا.

عام الحزن :

في السنة العاشرة من البعثة توفي ابو طالب عم الرسول صلي الله عليه وسلم وناصره والمدافع عنه ، فهو الذي رباه وهو الذي حماه ودافع عنه ونصره في قريش ، لم يسلم ابي طالب قبل موته فهو لم يقل الشهادة صريحة ، لكن الله اعلم ، حزن عليه النبي حزنا شديدا وتأثر بموته ، وبعد شهر وقيل شهرين من وفاة ابي طالب توفيت زوجة النبي عليه الصلاة والسلام السيدة خديجة رضي الله عنها ، اقرب الناس له و زوجته الوحيدة في ذلك الوقت وام اولاده و اول من اسلم واكثر من نصره منذ بداية الدعوة في حياتها أَتَى جبريلُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فقالَ بَشِّرْ خديجةَ ببيتٍ في الجنةِ من قصبٍ لا صَخَبَ فيهِ ولا نَصَبَ.
اشتد الاذي علي النبي صلي الله عليه وسلم بعد وفاة ابي طالب حتي قال عليه الصلاة والسلام : 《مانالت منى قريش شئ اكرهه حتي مات ابو طالب》

اشتد الاذي من قريش علي النبي ورحمته بهم :

لما اشتد الاذي علي النبي صلي الله عليه وسلم من اهل مكة، واشتد عنادهم وكفرهم فكر ان يخرج لينشر دعوته خارج مكة ، فراي ان الطائف اقرب مدينة لمكة فخرج وسار للطائف مشيا علي قدميه عندما وصل الي مشارف الطائف وجد ثلاثة من ساداتهم فستأذنهم وجلس يحدثهم عن امر الاسلام فرفضوا ان يسمعوا وقالوا لاندعك تحدث احدا في الطائف فجمعوا السفهاء والغلمان فاصطفوا صفين واخذوا يرمونه عليه الصلاة والسلام بالحجارة ، فما استطاع ان يكلم احدا فلما اشتد عليه الامر رجع عن الطائف، وجلس يرتاح في الطريق بين مكة والطائف وهو في حال ضيقة فهو لايستطيع ان يدعو في الطائف واذا عاد الي مكة يؤذوه فأخذ يدعو (اللهمّ إليك أشكو ضعف قوّتي وقلّة حيلتي وهواني على النّاس، يا أرحم الرّاحمين، أنت ربّ المستضعفين، وأنت ربّي، إلى من تكلني؟ إلى بعيدٍ يتجهّمني؟ أم إلى عدوٍّ ملّكته أمري؟ إن لم يكن بك عليّ غضب فلا أبالي ولكن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الّذي أشرقت له الظّلمات، وصلح عليه أمر الدّنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك أو يحل عليّ سخطك، لك العتبى حتّى ترضى، ولا حول ولا قوّة إلّا بك) ، بعد هذاء الدعاء جاءه جبريل عليه السلام ، يقول صلي الله عليه وسلم (فرفعت رأسى فإذا أنا بسحابة قد أظلتنى، فنظرت فإذا فيها جبريل،فنادانى، فقال : إن الله قد سمع قول قومك لك، وما ردوا عليك، وقد بعث الله إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم. فنادانى ملك الجبال،فسلم علىّ ثم قال : يا محمد، ذلك، فما شئت، إن شئت أن أطبق عليه الأخشبين - أى لفعلت) فقال عليه الصلاة والسلام  :(بل أرجو أن يخرج الله عز وجل من أصلابهم من يعبد الله عز وجل وحده لا يشرك به شيئا) (الاخشبان هما جبلا مكة) .
رجع النبي صلي الله عليه وسلم الي مكة ولكن بعد وفاة ابي طالب الان ليس هناك من يحميه ، فارسل الي الاخنس بن شريق ليجيره فرفض الاخنس، ثم ارسل الي سهيل ابن عمر فرفض سهيل ان يجيره ، ثم ارسل الي المطعم بن عدي فوافق المطعم وارسل للنبي ان ادخل الي مكة انت في جواري ، فدخل النبي عليه الصلاة والسلام الي مكة ، في اليوم التالي طاف النبي عليه الصلاة والسلام بالكعبة وخلفه مطعم بن عدي ومعه ستة من ابناءه مدججين بالسلاح واهل مكة ينظرون.

تعليقات