القائمة الرئيسية

الصفحات

 

حجة الوداع و وفاة الرسول


حكم الكفار في ارض الاسلام :

في نهاية السنة التاسعة من الهجرة في موسم الحج نزلت ايات من سورة التوبة ، فأرسل النبي صلي الله عليه وسلم علي بن ابي طالب حتي يبلغ الناس بالحكم.
انه لايحج المشركين بعد هذا العام الي بيت الله ، وانه من له عهد من الكفار مع المسلمين ولم يخن عهده ولم يناصر احد علي المسلمين له الامان حتي انتهاء مدة العقد ، ومن لا عقد وعهد له فله الامان اربعة شهور بعد انقضاء المدة  لايوجد كافر في الجزيرة العربية ارض الاسلام الا ويقتل ، من جاء من خارج الجزيرة يسمع عن الاسلام له الامان حتي يتعلم الاسلام اما يسلم او يخرج من الجزيرة فلا امان له ولا بقاء لكافر في ارض الجزيرة العربية .

وفود القبائل العربية للمبايعة بالاسلام :

بادرت القبائل العربية بالاسلام ، وبدأت وفودها تصل الي النبي صلي الله عليه وسلم في المدين من بقاع الجزيرة حتي زاد عددها عن الستين وفد .
يعتبر وفد بني تميم من أبرز الوفود التي جاءت إلى المدينة في ذلك العام ، وذلك لمكانتها بين قبائل العرب ، جرى بينهم وبين المسلمين سجالات شعريّة ومعارضات خطابيّة ، كانت في النهاية سبباً في إسلامهم وإسلام قومهم بعد ذلك.
وفد عبد قيس ، ان هناك رجل منهم يقال له منقذ بن حيان بعثه النبي صلى الله عليه وسلم بكتابٍ إلى قومه يدعوهم إلا الإسلام ، فتوافدوا عليه في ذلك العام وسألوه عن الإيمان والأشربة ، واسلموا.
كان النبي صلى الله عليه وسلم قد أرسل إلى نصارى نجران يدعوهم فيه إلى الإسلام ، فبعثوا إليه بوفد من أشرافهم ليقابلوه ، ودار النقاش طويلاً بين أولئك النصارى وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم  ونزلت الكثير من الآيات التي تجيب عن تساؤلاتهم ، ثم تصالحوا مع النبي صلى الله عليه وسلم على دفع الخراج ، واشترطوا أن يبعث معهم رجلاً أمينا لقبض المال منهم ، فأرسل معهم ابو عبيدة عامر بن الجراح  ، ثم ما لبث الإسلام أن انتشر بينهم ، حتى بعث النبي صلى الله عليه وسلم من يأخذ منهم صدقاتهم.
جاء وفد بني حنيفة إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وكانوا سبعة عشر رجلاً فيهم  مسيلمة  ، فأسلموا ونزلوا في دار بنت الحارث التي كانت مخصّصة للوفود.
كانت للحميريّين وفادة في السنة التاسعة من الهجرة وافقت قدوم وفد بني تميم ، وكانوا أفضل منهم ، فقد قبلوا بشارة النبي صلى الله عليه وسلم ،  فقالوا : أتيناك لنتفقّه في الدين  ، وسألوه عن بدء الخلق وأحوال العالم ، فأجابهم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك كلّه.
قدم وفد من سادات طئ ومعهم سيدهم زيد الخيل ، فعرض عليهم النبي عليه الصلاة والسلام الإسلام فقبلوه ، وحسن إسلامهم .
استقبل النبي  صلى الله عليه وسلم وفد بني عامر وأحسن ضيافتهم ، فأعجبوا بأخلاقه عليه الصلاة والسلام فأسلموا جميعاً ، وأعلنوا تأييده.
ارسل بنو سعد بن بكر ضمام بن ثعلبة زافدا للنبي صلي الله عليه وسلم ، فسأل النبي عن الاسلام والصلاة والصيام والزكاة فأجابه صلي الله عليه وسلم ، ثم قال آمنت بما جئت به  ، وأنا رسول من ورائي من قومي ، وأنا ضمام بن ثعلبة أخو بني سعد بن بكر ، ثم رجع الي قومه فأسلموا جميعا.
أرسلت كندة وفداً إلى النبي - صلى الله عليه وسلم – يرأسهم الاشعث بن غيث رضي ، فأعلنوا إسلامهم ، واستقرّوا في المدينة أيّاماً ليتلقّوا العلم من النبي صلى الله عليه وسلم .

قدم جرير بن عبد الله البجلي من أرض اليمن مع وفد من قومه إلى المدينة ليعلنوا إسلامهم .

حجة الوداع العاشر من الهجرة  :

في ذو العقدة السنة العاشر من الهجرة نوي الرسول صلي الله عليه وسلم الحج واخبر الناس وارسل للقبائل انه يريد الحج فمن كان يريد ان يحج معه فليأتي ، فأقبلت الوفود للحج ، وكانت هذه اول واخر حجة للرسول صلي الله عليه وسلم بعد فتح مكة ، واخذ معه زوجاته جميعهن رضي الله عنهن.
.‏ وفي يوم السبت الخامس والعشرون من ذي القعدة تهيأ النبي صلى الله عليه وسلم للرحيل ، فتَرَجَّل وادَّهَنَ ولبس إزاره ورداءه وقَلَّد بُدْنَه، وانطلق بعد الظهر، حتى بلغ ذا الحُلَيْفَة قبل أن يصلي العصر، فصلاها ركعتين، وبات هناك حتى أصبح‏ ، وقبل أن يصلي الظهر اغتسل لإحرامه، ثم طيبته عائشة بيدها بذَرِيَرة وطيب فيه مِسْك، في بدنه ورأسه، حتى كان وبَيِصُ الطيب يري في مفارقه ولحيته، ثم استدامه ولم يغسله، ثم لبس إزاره ورداءه، ثم صلي الظهر ركعتين، ثم أهل بالحج والعمرة في مُصَلاَّه، وقَرَن بينهما، ثم خرج، فركب القَصْوَاءَ، فأهَلَّ أيضاً، ثم أهَلَّ لما استقلت به على البَيْدَاء‏.
ثم واصل سيره حتى قرب من مكة، فبات بذي طُوَي، ثم دخل مكة بعد أن صلي الفجر واغتسل من صباح يوم الأحد الرابع من ذي الحجة وقد قضي في الطريق ثماني ليال، وهي المسافة الوسطي  فلما دخل المسجد الحرام طاف بالبيت، وسعي بين الصفا والمروة، ولم يَحِلَّ ؛لأنه كان قارناً قد ساق معه الهدي، فنزل بأعلى مكة عند الحَجُون، وأقام هناك، ولم يعد إلى الطواف غير طواف الحج‏.‏
وأمر من لم يكن معه هَدْي من أصحابه أن يجعلوا إحرامهم عمرة، فيطوفوا بالبيت وبين الصفا المروة، ثم يحلوا حلالاً تاماً، فحل من لم يكن معه هدي، وسمعوا وأطاعوا‏.‏
وفي اليوم الثامن من ذي الحجة ـ وهو يوم التَّرْوِيَة ـ توجه إلى مني، فصلي بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر ـ خمس صلوات ـ ثم مكث قليلاً حتى طلعت الشمس، فأجاز حتى أتي عرفة، فوجد القبة قد ضربت له بَنَمِرَة، فنزل بها، حتى إذا زالت الشمس أمر بالقَصْوَاء فرحلت له، فأتي بطن الوادي، وقد اجتمع حوله مائة ألف وأربعة وعشرون أو أربعة وأربعون ألفاً من الناس، فخطب فيهم خطبة حجة الوداع الشهيرة.

خطبة الوداع :

الحمدُ لله نحمدُهُ وَنَسْتَعِينُه، ونَسْتَغْفِرُهُ، ونَتُوبُ إليه، ونَعُوذُ باللهِ مِنْ شُرورِ أنْفُسِنا ومِنْ سيّئآتِ أعْمَالِنَا مَن يَهْدِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، ومَنْ يُضَلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ . وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحْده لا شريك له، وأنّ محمداً عبدُه ورسولُه. أوصيكُم عبادَ الله بتقوى الله،وأحثّكم على طاعته! وأستفتح بالذي هو خير. أَمَّا بعد، أيّهَا النّاس، اسْمَعُوا منّي أُبّينْ لَكُمْ، فَإنّيَ لاَ أَدْرِي، لعَليّ لاَ أَلْقَاكُمْ بَعْدَ عَامي هَذَا، في مَوْقِفي هذا، أَيُهَا النَّاس، إنّ دِمَاءَكُمْ وَأمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَليكُمْ حَرَامٌ إلى أنْ تَلْقَوْا رَبَّكُمْ، كَحُرمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا في شَهْرِ كُمْ هَذَا في بَلَدِكُم هَذَا وإنكم ستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم وقد بلغت ، فَمَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ أَمَانةٌ فليؤُدِّها إلى مَنْ ائْتمَنَهُ عَلَيها، وإن كل ربا موضوع ولكن لكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون ، و قضى الله أنه لا ربا ، وإن ربا عمي العباس بن عبد المطلب موضوع كله وأن كل دم كان في الجاهلية موضوع وإن أول دمائكم أضع دم عامر ابن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب ، فهو أول ما أبدأ به من دماء الجاهلية ، وإن مآثر الجاهلية موضوعة غير السدانة والسقاية والعمد قَوَدٌ ، وشبه العمد ما قتل بالعصا والحجر وفيه مائة بعير فمن ازداد فهو من الجاهلية.
 أما بعد أيها الناس فإن الشيطان قد يئس من أن يعبد بأرضكم هذه أبدا ولكنه إن يطع فيما سوى ذلك فقد رضي به بما تحقرون من أعمالكم فاحذروه على دينكم أيها الناس ﴿ إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ ﴾ إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض و﴿ إِنَ عِدَّةَ الشهور عند اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً ﴾ منها أربعة حرم ثلاثة متوالية ورجب مضر ، الذي بين جمادى وشعبان. أما بعد أيها الناس ، إن لِنسَائِكُمْ عَلَيْكُمْ حقاً، ولَكُمْ عَلَيْهِنّ حقّ، لَكُمْ عَليِنّ ألا يُوطْئنَ فُرُشَكُمْ غيرَكم وَلا يُدْخِلْنَ أحَداً تكرَهُونَهُ بيوتَكُمْ، ولا يأتينَ بِفَاحِشَة فإن فعلن فإن الله قد أذن لكم أن تهجروهن في المضاجع وتضربوهن ضربا غير مبرح فإن انتهين فلهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف واستوصوا بالنساء خيرا ، فإنهن عندكم عوان لا يملكن لأنفسهن شيئا ، وإنكم إنما أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمات الله فاعقلوا أيها الناس قولي ، أَيهَا النّاسُ، إنّما المُؤمِنُونَ إخْوةٌ ، فَلاَ يَحِلُّ لامْرِىءٍ مَالُ أَخيهِ إلاّ عَنْ طيبِ نفْسٍ منهُ، أَلاَ هَلْ بلّغْتُ، اللّهُم اشْهَدْ، فلا تَرْجِعُنّ بَعْدِي كُفاراً يَضرِبُ بَعْضُكُمْ رقابَ بَعْض فَإنّي قَدْ تَركْتُ فِيكُمْ مَا إنْ أخَذتمْ بِهِ لَمْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ، كِتَابَ اللهِ وَ سُنَّة نَبيّه ، أَلاَ هَلْ بلّغتُ، اللّهمّ اشْهَدْ.
أيها النّاسُ إن رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وإنّ أَبَاكُمْ واحِدٌ ، كُلكُّمْ لآدمَ وآدمُ من تُراب، إن أَكرمُكُمْ عندَ اللهِ أتْقَاكُمْ وليس لعربيّ فَضْلٌ على عجميّ إلاّ بالتّقْوىَ، أَلاَ هَلْ بلَّغْتُ، اللّهُمّ اشهد" قَالُوا: نَعَمْ قَال: فلْيُبَلِّغِ الشاهدُ الغائبَ والسلامُ عليكم ورحمة الله.
بعد ان انتهي صلي الله عليه وسلم من الخطبة نزل عليه قوله تعالي 《الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَ‌ضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا》، لما قرأها بكي عمر ، فقال له عليه الصلاة والسلام ما يبكيك ، فقال يبكيني انا كنا في زيادة من ديننا اما اذا كمل فأنه لم يكمل شئ قط الا نقص فقال عليه الصلاة والسلام صدقت.

وبعد الخطبة أذن بلال ثم أقام، فصلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بالناس الظهر، ثم أقام فصلي العصر، ولم يصل بينهما شيئاً، ثم ركب حتى أتي الموقف، فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصَّخَرَات ، وجعل حَبْل المشاة بين يديه، واستقبل القبلة، فلم يزل واقفا حتى غربت الشمس، وذهبت الصفرة قليلاً حتى غاب القُرْص‏.‏

 ودفع حتى أتي المُزْدَلِفَة، فصلي بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ولم يسبح بينهما شيئاً، ثم اضطجع حتى طلع الفجر، فصلي الفجر حين تبين له الصبح بأذان وإقامة، ثم ركب القصواء حتى أتي المَشْعَرَ الحرام، فاستقبل القبلة، فدعاه، وكبره، وهلّله، ووحده، فلم يزل واقفاً حتى أسْفَر جِدّا‏.‏

فَدَفَع ـ من المزدلفة إلى مني ـ قبل أن تطلع الشمس، وأردف الفضل بن عباس حتى أتي بَطْنَ مُحَسِّرٍ، فَحَرَّك قليلاً، ثم سلك الطريق الوسطي التي تخرج على الجمرة الكبري، حتى أتي الجمرة التي عند الشجرة ـ وهي الجمرة الكبري نفسها، كانت عندها شجرة في ذلك الزمان، وتسمي بجمرة العَقَبَة وبالجمرة الأولي ـ فرماها بسبع حصيات، يكبر مع كل حصاة منها مثل حصي الخَذْف، رمي من بطن الوادي، ثم انصرف إلى المنحر، فنحر ثلاثاً وستين بدنة بيده، ثم أعطي علياً فنحر ما غَبَرَ ـ وهي سبع وثلاثون بدنة، تمام المائة ـ وأشركه في هديه، ثم أمر من كل بدنة ببضعة، فجعلت في قِدْر، فطبخت، فأكلا من لحمها، وشربا من مَرَقِها‏.‏
ثم ركب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فأفاض إلى البيت، فصلي بمكة الظهر، فأتي على بني المطلب يَسْقُون على زمزم، فقال‏:‏ «‏انزعوا بني عبد المطلب ، فلولا ان ينازعكم الناس علي سقايتكم لنزعت معكم»‏، فناولوه دلواً فشرب منه‏.
وخطب النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر ـ عاشر ذي الحجة ـ أيضاً حين ارتفع الضحي، وهو على بغلة شَهْبَاء، وعلى يعبر عنه، والناس بين قائم وقاعد ، وأعاد في خطبته هذه بعض ما كان ألقاه أمس، فقد روي الشيخان عن أبي بكرة قال‏:‏ خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر، قال إِنَّ الزَّمَانُ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ.
السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ: ثَلاَثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ  وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ .
وقال صلي الله عليه وسلم 
 قُلْنَا: اللَّهُ ورَسولُهُ أعْلَمُ، فَسَكَتَ حتَّى ظَنَنَّا أنَّه سَيُسَمِّيهِ بغيرِ اسْمِهِ، قالَ أليسَتْ بالبَلْدَةِ الحَرَامِ؟ قُلْنَا: بَلَى، قالَ: فإنَّ دِمَاءَكُمْ وأَمْوَالَكُمْ علَيْكُم حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَومِكُمْ هذا، في شَهْرِكُمْ هذا، في بَلَدِكُمْ هذا، إلى يَومِ تَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ، ألَا هلْ بَلَّغْتُ؟، قالوا: نَعَمْ، قالَ: اللَّهُمَّ اشْهَدْ، فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الغَائِبَ، فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أوْعَى مِن سَامِعٍ، فلا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ.
وأقام أيام التشريق بمني يؤدي المناسك ويعلم الشرائع، ويذكر الله، ويقيم سنن الهدي من ملة إبراهيم، ويمحو آثار الشرك ومعالمها‏.‏
وقد خطب في بعض أيام التشريق أيضاً، فقد روي أبو داود بإسناد حسن عن سَرَّاءِ بنت نَبْهَانَ قالت‏:‏ خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الرءوس، فقال اليس هذا اوسط ايام التشريق وكانت خطبته في هذا اليوم مثل خطبته يوم النحر، ووقعت هذه الخطبة عقب نزول سورة النصر‏.‏

وفي يوم النَّفْر الثاني  الثالث عشر من ذي الحجة  نفر النبي صلى الله عليه وسلم من مني، فنزل بخِيف بني كِنَانة من الأبْطَح، وأقام هناك بقية يومه ذلك، وليلته، وصلي هناك الظهر والعصر والمغرب والعشاء، ثم رقد رقدة، ثم ركب إلى البيت، فطاف به طواف الوداع، وأمر به الناس‏.‏ ثم عاد صلي الله عليه وسلم للمدينة .

العام الحادي عشر من الهجرة :

في صفر جهز صلي الله عليه وسلم جيش ليرسله الي البلقاء في فلسطين لقتال الغساسنة والروم وامر عليه زيد بن اسامة ، وامر سادة الصحابة ليكونوا في ذلك الجيش ،  فبدأ التجهيز لذلك الجيش .
احس صلي الله عليه وسلم بصداع شديد فدخل علي عائشة رضي الله عنها ، فقالت له اتوعك اي  تحس بالالم مثلنا يارسول الله فقال لها عليه الصلاة والسلام نحن معشر الانبياء الالم لدينا بمثل رجلين منكم .
اراد صلي الله عليه وسلم ان يطوف بزوجاته ليسلم عليهن رضي الله عنهن اجمعين ، فبدأ بالطواف عليهن لما وصل الي بيت ميمونة لم يستطع السير من شدة الالم فامر ان يجتمعن عنده في بيت ميمونة ، فستأذنهن ان يطبب في بيت عائشة فأذن له .
وذهب صلي الله عليه وسلم الي بيت عائشة محمولا يتهادي بين الفضل بن العباس وعلي بن ابي طالب يحملانه علي كتفيهما فبدأ يطبب في بيت عائشة.
استمر الامر لعدة ايام فبدأت الحمي وارتفت حرارته صلي الله عليه وسلم وكان من شدة الحمي يغمي عليه صلي الله عليه وسلم  فلما صحي عليه الصلاة والسلام قال إتوني بسبع قرب من آبار مختلفة فجئ بها ثم قال صبوا علي الماء ثم بدأوا يصبون عليه قربة تلو الاخري حتي قال حسبكم كفي اثناء مرضه كان صلي الله عليه وسلم بتحامل علي نفس ويصلي بالناس.
في يوم الجمعة التاسع من ربيع اول بعد صلاة العصر خطب عليه الصلاة والسلام بالناس في المسجد فخطب جالسا علي المنبر فقال بعد ان حمد الله تعالي واثني عليه وصلي علي نفسه عليه الصلاة والسلام أما بعدُ، أيها الناسُ، فإنّي أحمدُ إليكمُ اللهَ الذي لا إلهَ إلاّ هُوَ، وإنّه قد دَنا منِّي خفوقٌ من بينِ أظهرِكم، فمَنْ كنتُ جلدتُ له ظهراً فهذا ظهري فليَسْتَقِدْ منه، ومَنْ كنتُ شتمتُ له عِرضاً، فهذا عِرضي فلْيَسْتَقِد منه، ومَنْ أخذتُ له مالاً، فهذا مالي فليأْخُذْ منه، ولا يخشى الشَّحْناءَ من قِبَلِي، فإنّها ليستْ من شأني. أَلاَ وإنَّ أحبَّكُمْ إليَّ مَنْ أخذَ منِّي حقّاً، إنْ كانَ لهُ، أو حلَّلني فلقيتُ ربِّي وأنا طيِّبُ النَّفْسِ. وقد أرَى أنَّ هذا غيرُ مُغْنٍ عنِّي حتَّى أقومَ فيكم مِراراً. 
ثُمَّ نَزَلَ، فصلَّى ، ثُمَّ رجعَ فجلسَ على المنبرِ فعادَ لمقالتِهِ الأولَى، فادَّعَى عليه رجل بثلاثةِ دراهِمَ، فأعطاهُ عِوَضَها، ثُمَّ قال: أيُّها الناسُ، مَنْ كان عندَه شيءٌ فلْيُؤدِّهِ ولا يَقُلْ فضُوحُ الدُّنْيا، أَلا وإنَّ فُضُوحَ الدُّنيا أهونَ من فُضوح الآخرة، ثُمَّ صلَّى على أصحابِ أُحُد، واستغفرَ لَهُمْ، ثُمَّ قال: إنَّ عبداً خَيَّرَه اللهُ بينَ الدنيا وبينَ ما عندَه، فاختارَ ما عندَه، فبَكَى أبو بكرٍ، وقال: فَدَيْناكَ بأنفُسِنا وآبائنا.
لما رجع صلي الله عليه وسلم الي بيته اشتد عليه الالم حتي انه لم يستطع التكلم من شدة الالم ، في صلاة المغرب لم يستطع صلي الله عليه وسلم الخروج فقال : مروا ابابكر فليصلي بالناس ،استمر الامر لثلاث ايام لم يستطع صلي الله عليه وسلم خلالها حتي الخروج من البيت وكان يتعب ويغمي عليه احيانا ، ولم يكن هناك وحي فقد انقطع الوحي من حجة الوداع.
في يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع اول مع صلاة الفجر شعر صلي الله عليه وسلم بنشاط ، تحامل علي نفسه عليه الصلاة والسلام ، وخرج للمسجد من بيت عائشة من وراء الستار ، وكان ابوبكر يصلي بالناس لما رأهم صلي الله عليه وسلم في خشوعهم فرح و ابتسم ، الصاحبة قرب الستار شعروا به فإلتفتوا اليه من شوقهم اليه وكادوا يقطعون صلاتهم فأشار اليهم عليه الصلاة والسلام فثبتوا ثم انضم الي الصلاة ، بعد الصلاة صعد صلي الله عليه وسلم المنبر لكنه خطب جالسا ، ثم حذر صلي الله عليه وسلم من اتخاذ قبره مسجدا ، ثم قال لا يبقي في الجزيرة دينان ، ثم قال اوصيكم بالصلاة واكد علي امر الصلاة وشدد فيها ، ثم قال اوصيكم بالنساء خيرا و اوصيكم بما ملكت ايمانكم ، ثم ختم بالجهاد واكد علي ضرورته ، ثم نزل ماشيا وذهب الي بيته صلي الله عليه وسلم ، فرح الناس به فرحا شديدا بعد ان خرج اليهم صلي الله عليه وسلم فبدأ انه شفي ، جاء العباس الي علي بن ابي طالب وقال له يا ابا الحسن ادخل علي النبي واستوصي بنا خيرا ، فإني اعرف الموت في وجوه بني عبد المطلب ، واني اري الموت في وجه النبي صلي الله عليه وسلم .
وقت الضحي كان قد رجع الالم الي النبي صلي الله عليه وسلم واشتد عليه وكان في بيت عائشة مسندا ظهره عليها رضي الله عنها ، دخل عبد الرحمن بن ابي بكر علي النبي صلي الله عليه وسلم وكان يستاك بسواك ولم يكن النبي يستطيع الكلام من شدة الالم فكان ينظر للسواك ، ففهمت عائشة وقالت له يارسول الله كأنك تريد السواك فأشار نعم ، فستأذنت من اخيها واخذت السواك فقلبته ولاكته للرسول حتي لان و وضعته في فمه صلي الله عليه وسلم ، تقول رأيته يستاك ذلك  كاشد ما يستاك ، ثم استأذن عبد الرحمن وخرج.
بدأ الالم يشتد علي النبي صلي الله عليه وسلم ، واخذ العرق يصب منه بكثرة ، وهو يقول يا عائشة ان للموت لسكرات ، اخذ النبي يرد كأنه خير للمرة الاخيرة ، فكان يقول صلي الله عليه وسلم بل الرفيق الاعلي من الجنة وسقط رأسه علي كتف عائشة ومات النبي صلي الله عليه و سلم وارتفع بصره الي السماء.
تقول عائشة رضي الله عنها انزلت رأس الرسول صلي الله عليه وسلم علي وسادة واخذت اولول واصرخ وتجمعت النسوة وبدأوا يبكون حتي سمع الصوت خارج المسجد فبدأ الناس يتجمعون ويتحدثون بوفاته صلي الله عليه و سلم وانتشر الخبر بين مصدق و مكذب اخبر العباس الناس ان الرسول صلي الله عليه وسلم قد توفي فأصبح الناس يبكون وهم بين من يبحث عن مكان يلجأ اليه ليبكي و من جالس يلطم علي رأسه في المسجد ويبكي .
جاء وقت صلاة الظهر اراد بلال ان يؤذن فما استطاع من شدة بكائه فقال لا اؤذن بعد النبي صلي الله عليه وسلم .
اجتمع ال النبي صلي الله عليه وسلم لغسلة علي بن ابي طالب والعباس والفضل بن العباس ومولي النبي ، سمعوا من جانب الدار صوتا يقول اغسلوا رسول الله بثيابه ، فأسنده عليبن ابي طالب علي ظهره وكان ابنا العباس يتوليان تقليبه واسامة ومولاه يتوليان صب الماء والعباس يتولي غسله صلي الله عليه وسلم ، فغسل وكفن بثلاث اثواب بيض ، فأحتاروا اين يدفنوه فأرسلوا الي ابي بكر يستشيروه فقال لهم سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول انا نحن معشر الانبياء ندفن حيث نقبض ، ثم جاء الناس افوجا للصلاة عليه صلي الله عليه وسلم ، فصلي الرجال ثم النساء ثم الصبيان ، واستمرت الصلاة حتي الليل ، ثم بدأ الحفر ليلا في بيت عائشة ، فنزل علي وابنا العباس ومولي الرسول صلي الله عليه وسلم في القبر وانزلوه عليه الصلاة والسلام ودفن عليه الصلاة والسلام.

سيرته صلي الله عليه وسلم ليست قصة بل هي عبرة ودروس وحبه صلي الله عليه وسلم يكون بطاعته واتباعه والاقتداء به.

نسأل الله تعالي ان يجعل حبه وحب الرسول صلي الله عليه وسلم في قلوبنا ، وان يجمعنا معه عند الروض وفي الفردوس الاعلي من الجنة.



تعليقات

تعليق واحد
إرسال تعليق
  1. يسلمو استفدت كتير
    حبيبنا الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم

    ردحذف

إرسال تعليق