القائمة الرئيسية

الصفحات

حصار دار عثمان و مقتل عثمان بن عفان
امير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه

معركة ذات الصواري :

وصلت اخبار الهزيمة في إفريقية وفتحها من قبل المسلمين الي القسطنطينية واهتزت الروم واصبحوا في خطر بعد سيطرت المسلمين علي سواحل المتوسط ومصر وشمال افريقيا ، فأجتمع كل قادة الروم مع قسطنطين في القسطنطينية ، لارجاع هيبة الامبراطورية الرومانية واعادة السيطرة البحر المتوسط قبل ان يقوي اسطول المسلمين ويسيطروا علي البحر ويهددوا روما نفسها ، فوجدوا انهم لن يقدروا علي المسلمين في البر ولكن لهم الافضلية في البحر فالروم لهم اسطول بحري ضخم والمسلمين ليس لهم قوة كبيرة في البحر ، فأمر قسطنطين بتجميع كل سفنهم  الحربية ومهاجمة المسلمين من جهة البحر فجمع الف سفينة حربية في اسطول لم يوجد مثله من قبل وتحركوا نحو الاسكندرية .
وصلت الاخبار الي امير المؤمنين عثمان بالمدينة فأرسل الي عبد الله بن ابي السرح في مصر ان اجمع كل ماتستطيع من سفن وقاتلهم في البحر ولا تدعهم يصلوا الي البر ، وارسل عثمان الي معاوية في الشام ان ارسل كل قواتك البحرية في الشام لينضموا الي القوات المصرية في مصر لحرب الروم ، وارسل معاوية كل قواته بقيادة بسر بن ارطأة ، فتجمع لعبد الله بن سعد بن ابي السرح قوات مصر والشام البحرية معا وكانت عبارة عن مائتا سفينة قادها بنفسه.
التقي الجيشان في البحر وكانت سفن المسلمين صغيرة مقارنة مع سفن الروم الضخم ، اقتربت سفن الجيشان من بعضهما وكانوا قريبين من الساحل  ، فأرسل عبد الله بن سعد الي قائد الروم يقول له ان شئتم ننزل الي الساحل ونحولها الي معركة برية ، وان شئتم البحر فقال الروم الماء الماء (الروم كانوا خبيرين بالمعارك البحرية وتعودوا عليها ، ويعلمون حداثة عهد المسلمين بهذا النوع من القتال وانهم ليس لهم به علم) ، وبدأ الروم يضربون النواقيس داخل السفن ، وبدأ المسلمين يصلون ويدعون الله ويذكرون ويتهجدون حتي صار لهم دوي كدوي النحل .

صلي عبد الله بن سعد بالمسلمين صلاة الصبح ، ثم استشار قادة جيشه ، ففضلوا ان تكون معركة برية وبدأوا يفكروا ، فربط المسلمين سفنهم مع بضعها البعض فأصبحت كأرض تتحرك في الماء ، وبدأوا يقتربوا من سفن الروم ، ونزل الابطال الفدائين البارعين في السباحة الي الماء ، وربطوا السفن الإسلامية بسفن الروم بحبال متين ، فأصبح السفن كقطع في البحر ، و المسلمون يقرأون سورة الانفال لما فيها من تحفيز علي الثبات والصبر .
انقض الروم علي المسلمين وصمد المسلمين وعظم القتال ، كان الروم في قتالهم في البحر يكروا ويفروا بسفنهم فلم يستطيعوا لان المسلمين ربطوا السفن ، واشتد القتال الي ان تكسرت السيوف واصبح القتال بالخناجر وكثر القتل بين الطرفين ، وسالت الدماء على الماء ، فصار أحمر ، وترامت الجثث في الماء ، وتساقطت فيه ، وضربت الأمواج السفن حتى وصلت  إلى الساحل وصار القتل في البحر والبر ، وصبر المسلمون صبرا عظيما ، اراد الروم قتل قائد المسلمين لاحباط منعوياتهم ، فتقدمت من سفينت عبد الله بن سعد  سفينة رومية ضخمة ، ألقت إلى سفينة عبد الله بن سعد السلاسل لتسحبها وتنفرد بها ، ولكن علقمة بن يزيد الغطيفي أنقذ السفينة والقائد بأن ألقى بنفسه على السلاسل وقطعها بسيفه ، واستمر القتال وشد المسلمين.
هزم الروم هزيمة نكراء وبدأوا بالفرار ، وانتصر المسلمون ، وكاد قسطنطين أن يقع أسيراً في أيدي المسلمين لكنه تمكن من الفرار وهو يرأي جثث جنوده علي الماء واسطوله الضخم (اقوي اسطول في ذاك الزمان) قد تدمر  ، وصل قسطنطين الي صقلية يجر اذيال الخيبة ،  فقال اهلها له : شمت النصرانية، وأفنيت رجالها، لو دخل المسلمون لم نجد من يردهم ، فقتلوه.
كان يدعي البحر المتوسط ببحر الروم وصار بعد هذه المعركة يسمي بحر الشام واستمر الامر الي عدة قرون ، وتوسعت اراضي المسلمين وصار لهم قوة جديدة وهي القوة البحرية وسيطروا وبسطوا نفوذهم علي البحر المتوسط.

الفتنة الكبري :

استمرت فترة خلافة عثمان اثنتا عشر سنة ، وقد بدأت احداث الفتنة في اخر سنة او سنتين من عهده ، وكان الرخاء في عهده قد اثر علي المجتمع ، وظهر جيل جديد غير جيل الصحابة ، فوجد المنافقين من يروجوا له الاكاذيب ويستمع لهم ، اثار المتمردون عدة شبهات عن عثمان واتهموه بها .
مما اتهم المتمردون عثمان به انه ضرب عمار بن ياسر حتي شق بطنه ، وانه ضرب عبد الله بن مسعود وكسر اسنانه وضلوعه ، وانه نفي ابو ذر الغفاري ، وانه حرق القرآن ، وانه حما الحمي (اخذ اراضي العامة)  ، واتهموه بأنه يولي اقاربه الذين لا يصلحون للولاية وهذه كانت اكبر شبهة يثيرها المتمردين ، وانه يقدم اقاربه ويهتم بهم اهتمام خاص ويكرمهم اكرام خاص ، وغيرها من الشبهات التي كانت افتراءات او تزيف للحقائق في حق عثمان رضي الله عنه.
وبدأوا بنشر هذه الافتراءات بين الناس ، وبدأ بعض المسلمين حديثي العهد بالاسلام يصدقون هذا الامر عن الخليفة ، وانشر الامر بين الناس ، وكان الصحابة يردون علي هذه الشبهات ولكن استمر الحديث بالاستمرار.

جاءت الكثير من الرويات والاحاديث عن ماحدث في الفتنة الكبري في عهد عثمان رضي الله عنه وبعضها متناقض و مكذوب ، سنتجنب هذه الروايات المشكوك فيها ، وسنتحدث عما ثبت صحته .


بالتأكيد انه كانت هنالك قيادة لهذه الفتنة واتباع لها قامت بنشر هذه الافتراءات والشبهات في حق عثمان رضي الله عنه وجمعت الناس وروجت للامر ، كثير من العلماء نسب هذا الامر الي عبد الله بن سبأ(يهودي اظهر الاسلام في عهد عثمان ) بينما انكر البعض وجود شخصية عبد الله بن سبأ من الاساس ، والبعض لم ينسب كل الامر الي عبد الله بن سبأ فكيف لشخص واحد يخرب كل الدولة الاسلامية ، ما يهم في الامر انه كان هناك قيادة لهذه الفتنة بسبب عداوة الاسلام او عداوة عثمان نفسه او طمع في السلطة والامارة .

قصة المسيرين في الكوفة :

هم جماعة من اهل الكوفة والكوفة كانت مشهورة منذ عهد عمر رضي الله عنه بإثارة المشاكل والشكوي من الوالي فكان عمر رضي الله عنه يبدل لهم الولاة دائما وكان يشتكي منهم لافعالهم .
في احدي جلسات سعيد بن العاص العامة والي الكوفة ، وكانوا يحدثون عن كرم وجود طليحة بن عبد الله ، فقال سعيد فقال سعيد: إن من له مثل النشاستج لحقيق أن يكون جواداً. والله لو أن لي مثله لأعاشكم الله به عيشاً رغيداً ، فقال عبد الرحمن بن حبيش الاسدي ، وهو حدث والله لوددت أن هذا الملطاط لك ، فقال له الاشتر النخعي غاضبا تتمني ان تكون ارض سوادنا ملك لسعيد ، فرد عليه والد عبد الرحمن حبيش الاسدي ويتمني لكم اضعافه ، فقام الاشتر ومن معه وضربا الاسدي وابنه في مجلس سعيد ، وسعيد لم يستطع منعهم ، سمع بنو اسد بالخبر وجاؤوا وحاصروا مكان المجلس لنصرة الاسدي وابنه ، تدخل سعيد ورد بني اسد عن الاشتر وجماعته وبدأ يهدي الامر بحكمة .
بدأ الاشتر وجماعته يثيرون الاشاعات عن الوالي سعيد بن العاص و امير المؤمنين عثمان بأنهم يستأثرون بالملك وان قريش لا تراعي احد وتظلمنا ، ونشروا الشبهات التي ذكرناها سابقا وشتموا سعيد وعثمان علانية .
رأي العقلاء واهل الرأي في الكوفة ان هؤلاء ينشرون الفتنة ويجب اخراجهم من الكوفة ، فأرسل سعيد الي عثمان يشرح له الوضع ، استشار عثمان اصحابه فوجدوا ان يتم ارسالهم الي الشام ليهذبهم معاوية وارسل عثمان الي معاوية يخبره بالامر ، وتم ارسالهم الي معاوية في دمشق واستقبلهم معاوية واكرمهم و وعظهم ، لكنهم لم يكفوا ثم سيروا الي الكوفة مرة اخري ورجعوا الي سب سعيد وسب الخليفة وتحريض  الناس فضاق منهم سعيد و رؤساء الكوفة فكتبوا الي عثمان ، فقرر عثمان مع اصحابه تسيرهم هذه المرة الي حمص وكان واليها عبد الرحمن بن خالد بن الوليد فحبسهم وهددهم وذلهم وخوفهم حتي اعلنوا التوية وذهب الاشتر الي عثمان في المدينة يعلن توبته ويطلب العفو فرق عثمان لهم وخيرهم بالبقاء حيث شاؤا واختاروا حمص.

في مصر :

بدأت ايضا في مصر تنتشر الاقوال ضد الوالي عبد الله بن ابي السرح وضد عمرو بن العاص الوالي السابق و ضد امير المؤمنين عثمان ، وكان ممن تحرك في مصر بعض ابناء كبار الصاحبة مثل محمد بن ابي بكر ومحمد بن حذيفة الانصاري ولكن تحركهم ضد قيادة وسياسة الدولة وليس تحرك عقائدي او ديني وبدأ الكلام ينتشر في مصر.

في البصرة :

وكان واليها ابو موسي الاشعري ، فشكي اهل البصرة منه الي امير المؤمنين فعزله وطلبوا ان يولي غيلان بن خرشة فرفض عثمان لان غيلان لم يكن له سابقة في الاسلام او الحكم وولي عليهم عبد الله بن عامر ، فبدأ حمران يتكلم عن الوالي ويثير الناس عليه حتي صار الامر ايضا فتنة في البصرة.
كان حكيم بن جبل ممن يثيرون الفتنة في مصر وذهب الي البصرة وبدأ يثير الامر ويتواصل مع من يؤيده فيها ثم ذهب الي الكوفة وفعل كما في البصرة ثم عاد الي مصر واخبر من معه ان لهم مؤيدين وبدأ الامر يزداد وبدأ التنسيق بين قادة الفتنة وكبرت الفتنة.

اضطرابات الكوفة :

حدثت اضطرابات وثورات  في بلاد فارس فأرسل امير المؤمنين عثمان رضي الله عنه الي والي الكوفة ليحرك الجيش ويسيطر علي فارس ، تحرك الجيش من الكوفة وضم معظم العساكر وكبار الصحابة ، وخلت الكوفة من معظم جنودها واصلح اهلها ، في هذه الاثناء قام يزيد بن قيس الارحمي بعد صلاة الجمعة وخطب في الناس وطعن في عثمان وقيادته وسياسته كان من بين الحضور القعقاع فزجره القعقاع و نهاؤه عن ذلك فرجع يزيد وارسل الي المسيرين في حمص لينضموا له فرفضوا وبقوا علي توبتهم الا الاشتر انضم الي ثوار الكوفة ، وكان سعيد بن العاص والي الكوفة في المدينة ، وخطب الاشتر في الناس وقال لهم قد ترك سعيد في المدينة وهو يطلب من امير المؤمنين تخفيض عطاياكم من مائتا درهم الي مائة درهم  وتخفيض اهل البلاء الي الفين فصدقه الناس وخرجوا معه فكان من خرج معه الف رجل تقريبا ، وخرجوا قرب الكوفة الي الطريق بين المدينة والكوفة ومنعوا سعيد بن العاص من دخول الكوفة وطالبوا ان يولي ابا موسي الاشعري ، فرجع سعيد الي المدينة واخبر امير المؤمنين بالامر فقال عثمان : قد عينا وأثبتنا أبا موسى واليًا عليهم، والله لن نجعل لأحدٍ عذرًا، ولن نترك لأحدٍ حجة، ولنصبرن عليهم كما هو مطلوب منا، حتى نعرف حقيقة ما يريدون ثم ارسل الي اهل الكوفة خطاب كالتالي (أما بعد، فقد أمَّرت عليكم مَن اخترتم، وأعفيتكم مِن سعيد، والله لأفرشن لكم عرضي، ولأبذلن لكم صبري، ولأستصلحنكم بجهدي، واسألوني كل ما أحببتم مما لا يُعصى الله فيه، فسأعطيه لكم، ولا شيئًا كرهتموه لا يُعصى الله فيه إلا استعفيتم منه، أنزل فيه عند ما أحببتم حتى لا يكون لكم عليَّ حجة) وكتب كذلك لكل ولايات الدولة.

نشر الفتنة :

فهدأت الفتنة مرة اخري ، فبدأ رؤوس الفتنة يفكرون  في حيلة جديدة لاثارت الفتنة ، فبدأوا يرسلون الاخبار عن ظلم الوالي من الكوفة الي البصرة ومصر والي المدينة زاتها ومن كل ولاية الي الاخري بنفس الطريقة تشتكي من ظلم واليها  لكن هذه المرة لم يعلنوا رسائلهم فجعلوها اخبار متداولة فبدأ الامر ينتشر بين الناس ، لما بلغ الخبر عثمان بعث من يثق بهم من كبار الصحابة الي كل الولايات ليتحققوا من الامر فلم يجدوا شئ مما ذكر عن الولاة ، ثم بعث رسالة الي كل الامصار مضمونها (إنّي قد رفع إليّ أهل المدينة أنّ عمّالي وقع منهم إضرار بالنّاس، وقد أختهم بأن يوافوني في كلّ موسم، فمن كان له حقّ فليحضر يأخذ حقّه منّي أو من عمّالي، أو تصدّقوا فإنّ الله يجزي المتصدقين) فبكى النّاس عند قراءة كتابه عليهم ، ودعوا له .
في موسم الحج اقترح معاوية علي امير المؤمنين عثمان  بعد ان رأي ان امر الفتنة يثار كل مرة وعرف ان هناك شئ ما يدبر فقال لعثمان : ان يرحل ويقيم في الشام لان المدينة ليس بها جيش يحميه(المدينة عاصمة الدولة الاسلامية وفي وسطها  ولا تحتاج الي حماية فلن يصلها اي جيش معتدي وكانت الجيوش في الثغور وحدود الدولة لحمايتها)فرفض عثمان ترك جوار النبي صلي الله عليه وسلم حتي وان كان في الامر قتله ، فقال معاوية اذا ارسل اليك جيش من الشام لحمايتك ، فرفض عثمان التضيق علي اهل المدينة في ارزاقهم ومعيشتهم ، فقال له معاوية سيغتالوك او يغزو المدينة ، فقال عثمان حسبي الله ونعم الوكيل.

اجتماع الثوار مع  عثمان رضي الله عنه  :

استمر امر الفتنة في مصر و البصرة و كان اشده في الكوفة ، واتفق رؤوس الفتنة علي الاجتماع في المدينة حتي يتم عزل عثمان رضي الله عنه واذا لم يستجب نقتله ، وتحركوا مع الحجاج حتي لا يلحظهم احد  ، وتحرك رؤوس و رعاع الفتنة مع الحجاج من الثلاث مناطق وعندما وصلوا الي قرب مكة في شوال سنة خمس وثلاثون من الهجرة و انفصلوا عن الحجاج وساروا الي المدينة وهم مقسمين علي اثني عشر فرقة، كل اربع فرق من منطقة وكل فرقة لها قادات ، وكان عدد رجال الفرقة المصرية الف تقريبا وهدفهم عزل عثمان وتولي علي الخلافة والفرق البصرية ايضا الف وهدفهم عزل عثمان وتولي طليحة الخلافة والفرق الكوفية ايضا الف وهدفهم عزل عثمان وتولي الزبير الخلافة ، (من الواضح ان معظم من شارك في هذه الفتنة كانوا مخدوعين وقد صدقوا كلام الناس والشبهات والافتراءات في حق عثمان ، فهم يعتقدون فعلا ان عثمان خالف الكتاب والسنة فحركوهم بأسم الدين) فنزلوا قرب المدينة ، وارسلوا الي عثمان لمقابلته ارسل عثمان رجلين ليخدعوهم ،  وعلم عثمان بكل خطتهم واستشار الصحابة فقالوا نرأي قتلهم ،  فقال لا بل نعفو ونقبل ونبصرهم بجهدنا ولا نحاد احدا حتي يرتكب حدا .
طلب عثمان مقابلتهم و اول من وصل المصريون فأخذوا يحاجونه علي الشبهات التي اتهم بها  فبين لهم كل شئ وانه لم يخالف الكتاب والسنة فعرفوا الحقيقة ولم يستطع رؤوس الفتنة المصريون فعل شئ وكتب لهم انه ملتزم بكتاب الله وسنة رسوله وكتبوا له انهم ملتزمون بطاعته طالما التزم بذلك ، وفعل كذلك مع البصريون و الكوفيين ، ثم زادهم ان المنفي يرجع وان المحروم يعطي ويقسم الفي بالقسط ويستعمل ذوي الامانة ، واتفق عثمان رضي الله عنه مع جميع الفرق وهدأت النفوس وفشلت الثورة ولم يستطع رؤوس الفتنة فعل شئ في وجود الاخرين.
عادت الفرق الي بلادها ، فرقة مصر في اتجاه مصر وفرقتي الكوفة والبصرة في اتجاه العراق سويا ،وبقي في المدينة الاشتر النخعي و حكيم بن جبلة .
أُرسلَ كتاباً مزورا بختم امير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه إلى والي مصر عبد الله بن سعد أبي السرح، يأمره بقتل كلّ من جاء المدينة من وفد المصريين شاكياً خليفة المسلمين عثمان بن عفان رضي الله عنه، ووقع الكتاب  بيد الوفد المصري في الطريق بشكل مقصود ومدبر ، فغضب الناس غضبا شديدا  من غدر عثمان رضي الله عنه  بعد ان اتفق معهم ، وحدث نفس الامر مع الوفد البصري والكوفي في تدبير وتخطيط واضح من رؤوس الفتنة وتم ارسال كتب مزورة ايضا علي لسان علي وعائشة رضي الله عنهما.

حصار دار عثمان رضي الله عنه :

رجع الثوار الي المدينة ، وذهب اهل الكوفة الي علي رضي الله عنه يشكون فعلت عثمان رضي الله عنه ، فقال لهم كيف عرفتم يا أهل العراق ماحدث معا أهل مصر وقد سرتم لأيام هذا والله أمر مبرم من المدينة ، فقال له اهل العراق لا حاجة لنا بهذا الرجل فليعتزلنا فقم معنا اليه ، فقال علي والله ما اقوم معكم ابدا ، فقالوا لما كتبت الينا اذا ، فقال والله ما كتبت اليكم ، فعرف علي ان هنالك امرا كبير يدبر ، وجاء احد كبار التابعين الي السيدة عائشة رضي الله عنها وقال لها كتبتي الي الثوار للخروج علي عثمان ، فقالت والله ماكتبت لهم سواد علي بياض .
عاد الثوار الي المدينة وسكنوا فيها وكان الهدف المعلن عزل عثمان رضي الله عنه ، وهم سبعمائة رجل مسلحين وجاهزين للقتال والمدينة بعيدة عن اي اعمال عسكرية ولم يكن بها جيش ولم يكن بها الكثير من الرجال القادرين علي حمل السلاح فمعظمهم مرابطين عند الثغور ، في يوم الجمعة قام عثمان رضي الله عنه يخطب فتجرأ احد سفهاء الثوار وهي اعين التميمي  وقال له يا نعثل انك قد بدلت فقال عثمان من هذا فقالوا اعين فقام الصحابة وهجموا علي اعين هذا الي ان اخرجوه من بين ايديهم ، واشتدت المشاحنات فأسكت عثمان الناس وصلي بهم و وعظهم ، اثناء خطبته وهو علي المنبر صعد اليه احدهم يسمي جهجاه ودفعه وكسر العصا التي بيده وهي عصا النبي صلي الله عليه وسلم فأصابته الاكلة في يده (الغرغرينا) ، وبدأ الناس يتضاربون ووصل الامر للرمي بالحجارة حتي اخرج الثوار الصحابة من المسجد وضرب احدهم عثمان بحجر وكان عثمان شيخ في الثلاث وثمانون من عمره وسقط عثمان مغشي عليه ، فتحرك كبار الصحابة واحاطوا بعثمان ثم حملوه وذهبوا به الي داره وطلبوا السلاح من اهلهم ليحموا عثمان والصحابة يحيطون ببيت عثمان و الثوار يحيطون بهم .
افاق عثمان ولما علم بالامر فامر كبار الصحابة امر حازم بالرجوع الي منازلهم فأضطر الصحابة الي الرجوع بعد قرار امير المؤمنين ، واشتد الحصار علي عثمان حتي منعوه الخروج للصلاة ، وذهبوا الي علي وكبار الصحابة ليصلوا بالناس فرض علي وجميع الصحابة ، فصلي بالناس احد الثوار ، واستشار الناس عثمان عن طريق جيرانه فقال لهم صلوا معهم ، ثم طلبوا منه ان ينزل عن الخلافة وكان المتحدث مع عثمان الاشتر الخنعي فقال عثمان لأخلع سربالا سربلنيه الله عز و جل ، فقال له الاشتر اذا يقتلوك فقال عثمان : والله لئن قتلتموني لا تحابون بعدي، ولا تصلون بعدي جميعا، ولا تقاتلون بعدي جميعا عدوا أبدا ثم دخل عليه بعده صعصه وتناقش معه ولم يكن لصعصه حجة .
دخل عثمان الي اهله وقال لهم ان القوم ليتوعدوني بالقتل ، فقال اهله يكفيكهم الله يا امير المؤمنين ، فقال مستغربا لما يقتلونني وقد سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول 《لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: الثَّيِّب الزَّانِي، والنَّفْس بِالنَّفْسِ، والتَّارِك لِدِينِهِ الْمُفَارِق لِلْجَمَاعَة》 فوالله ما زنيت في جاهلية ولا اسلام ولم اقتل نفس في حياتي ولا تمنيت ان لي دينا بديلا عن الاسلام ففيما يقتلونني .

 عثمان رضي الله عنه يشهد الناس علي براءته :

قرر الثوار شد الحصار علي عثمان رضي الله عنه ، وبدأوا يمنعوا الناس من الدخول علي عثمان ومنعوا عنه الماء والطعام ومنعوه حتي من الصلاة في المسجد .
وفي يوم تجمع الناس حول الثوار امام منزل عثمان و وقف عثمان علي الشرفة وقال : لا اكلم الا الصحابة وقال "انشدكم بالله والاسلام هل تعلمون ان رسول الله صلي الله عليه وسلم قدم المدينة وليس فيها ماء يستعذب غير بئر رومة ، فقال من يشتري بئر رومة فيجعل دلوه مع دلاء المسلمين بخير له منها في الجنة فأشتريتها من صلب مالي " فقال الصحابة : اللهم نعم نشهد ، فقال يكلم الثوار فأنتم اليوم تمنعوني ان اشرب حتي اشرب ماء البحر.
ثم قال للصحابة "انشدكم بالله والاسلام هل تعلمون ان هذا المسجد ضاق بأهله فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم من يشتري بقعة ال فلان فيزيدها في المسجد وله الجنة فأشتريتها من صلب مالي" فقال الصحابة : اللهم نعم نشهد ، فقال للثوار فأنتم اليوم تمنعوني ان اصلي بها ركعتين.
ثم قال للصحابة "انشدكم الله والاسلام هل تعلمون ان رسول الله صلي الله عليه وسلم كان ثبير مكة ومعه ابوبكر وعمر وانا فتحرك الجبل حتي تساقطت حجارته فركضه الرسول صلي الله عليه وسلم برجله وقال اسكن ثبير فإنما عليك نبي وصديق و شهيدان" فقال الصحابة : اللهم نعم نشهد ، فقال عثمان الله اكبر شهدوا لي وربة الكعبة اني شهيد ، وكررها شهدوا لي وربة الكعبة اني شهيد و كررها مرة ثالثة.

مقتل عثمان رضي الله عنه :

نفذ الماء في بيت عثمان رضي الله عنه ، فأرسل الي علي رضي الله عنه يقول قد منعونا من الماء فأن قدرتم ان ترسلوا الينا شئ من الماء فافعلوا ، وارسل بمثله الي طلحة والزبير وامهات المؤمنين رضي الله عنهم ، جمع علي ما استطاع من قرب الماء وذهب الي منزل عثمان وما تجرأ الثوار علي منعه ودخل بالماء الي منزل عثمان ، وجاءت ام حبيبة رضي الله عنها ولم تستطع الدخول وارسلت غلام لها يقال له ابن جراح ليكون مع عثمان .
استمر هذا الحصار لايام وقيل عشرون يوما ، واشتد منع الماء وفي احد الايام كان عثمان صائما وعند المغرب لم يجد مايفطر به لاماء ولا طعام ، حتي جاء فجر اليوم التالي وجاءته زوجته عند الفجر وقالت له حصلنا علي ماء فقال لها اني نويت الصيام في هذا اليوم فقالت كيف وانت لم تشرب فقال رأيت الرسول صلي الله عليه وسلم في المنام وقال لي حاصروك يا عثمان فقلت نعم وقال عطشوك يا عثمان فقلت نعم فأنزل لي دلوا فشربت حتي ارتويت ، فقمت من النوم وانا شبعان واني لاجد برده بين ثوبي وكتفي ، وقال لي يا عثمان ان شئت نصرت عليهم وان شئت افطرت عندنا ، فأخترت ان افطر عند النبي صلي الله عليه وسلم.

مواقف الصحابة:

جاء الصحابة رضي الله عنهم إلى عثمان رضي الله عنه، وكان فيهم علي بن أبي طالب، وطلحة، والزبير، وسعد بن أبي وقاص، وغيرهم رضي الله عنهم جميعًا، ولكن عثمان رضي الله عنه رفض أن يدافعوا بأسلحتهم عنه، ورفض اراقة دماء المسلمين ،  فعثمان رضي الله عنه كان يرى أنه إذا كانت حياته ثمنًا لحل هذه الفتنة فهذا شيء مناسب جدًا في رأيه خاصة، وأنه على يقين أن حياته ستذهب في هذا الأمر، فلا بأس أن تذهب حياته، وتحفظ دماء سبعمائة من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، وأهل المدينة ، ثم قال لهم : عزمت على من لي عليه طاعة ألا يقاتل ، فلو قاتلوا بعد ذلك لكان هذا عصيانًا له رضي الله عنه وأرضاه .
ويقوم زيد بن ثابت الأنصاري ويقول له: إن الأنصار خارج الباب يقولون: إن شئت كنا أنصار الله، إن شئت كنا أنصار الله، كررها مرتينفقال عثمان رضي الله عنه: لا حاجة لي في ذلك، فكفوا أيديكم.
ورجع عبد الله بن عباس رضي الله عنه قبل أن يخرج للحج، وقال لعثمان رضي الله عنه: يا عثمان إن وقوفي على بابك أجاحف عنك- أي أدافع عنك- خير من الحج.فقال له عثمان رضي الله عنه: لا حاجة في ذلك ، وأمّره على الحج، وأمره أن يذهب إلى الحج، فأطاع عبد الله بن عباس رضي الله عنه.
وقام أبو هريرة، ومعه مجموعة من الصحابة، وذهبوا إلى عثمان رضي الله عنه في بيته، وقال أبو هريرة رضي الله عنه: لقد سمعت أذناي رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "تَكُونَ بَعْدِي فَتْنَةٌ وَأَحْدَاثٌ" ، فقلت: وأين النجاة منها يا رسول الله ، فقال: "الْأَمْيرُ وَحِزْبُهُ" ، وأشار إلى عثمان رضي الله عنه، فقال القوم: ائذن لنا فلنقاتل، فقد أمكنتنا البصائر ، فقال عثمان رضي الله عنه في منتهى الصراحة والوضوح: عزمت على كل أحد لي عليه طاعة ألا يقاتل.
فرجعوا رضي الله عنهم إلى بيوتهم ، وتأولّوا الأمر وقالوا: إن كان قد أقسم علينا ألا نردّ عنه ، فهو لم يقسم على أبنائنا ، فأرسل علي رضي الله عنه الحسن والحسين ، وارسل الزبير  بن العوام ابنه عبد الله بن الزبير ، وأرسل طلحة بن عبيد الله ابنه محمد بن طلحة ، وهكذا فعل كثير من الصحابة رضي الله عنهم جميعًا ، واجتمع أبناء الصحابة رضي الله عنهم جميعًا في بيت عثمان رضي الله عنه ، وأمّروا عليهم عبد الله بن الزبير بن العوام رضي الله عنه ، فأمرهم عثمان رضي الله عنه بالرجوع الي بيوتهم وامر الايبقي احد في بيته الا اهله.
تملل الثوار وبدأوا يحذرون قدوم الحجاج من مكة او جيوش من الولايات لصدهم ، وكان عثمان رضي الله عنه يقضي ايام الحصار صائما وقائما ويقرأ القران ، حتي يوم الرؤيا الذي ذكرناه سابقا وهو يوم مقتله رضي الله عنه ، لما استيقظ لبس سراويله الطويلة خوف ان تكشف عورته اذا قتل فكان من اشد الناس حياء ، وكان عنده عشرون مملوك في البيت فأعتقهم جميعا ، واخذ المصحف وبدأ يقرأ وكان عنده زوجته نائلة وزوجة اخري فقال لاهله اني قد عزمت علي كل من يؤمن بالله واليوم الاخر ان يخرج من الدار ، فقالوا له ان خرجنا قتلونا او اذونا ، فأذن لهم بالخروج الي البيت الصغير في الداخل ، وخرجوا وبقي عنده عدد قليل من الخدم و زوجته نائلة وكتب وصيته لتعطيها زوجته للزبير واوصي ان يدفنه هو .
تسور الثوار السور وكان من اول الذين تسوروا محمد بن ابي بكر الصديق ، واخذ محمد بلحية عثمان ، فقال له عثمان قد اخذت مني مأخذا وقعدت مني مقعدا ما كان ابوك ليقعده اخرج لست انت بيني وبينك كتاب الله ، محمد بعد هذا الكلمات كأنما زالت غشاوة منه اهتز وترك الدار والثورة ولم يشارك في قتل عثمان ، ودخل عليه مجموعة من السفهاء من بينهم رجل يسمونه الموت الاسود وسودان بن حمدان واخرون ، اول من وصل الي عثمان هذا المدعو بالموت الاسود وخنق عثمان ثم رفع السيف ليضرب به عثمان فصرخة زوجته نائلة و وضعت يدها لتحمي عثمان فقطعت اصابعها ، فرفع عثمان يده ليحمي نفسه فقطعها بالسيف ذلك الملعون ، فقال عثمان والله لهي اول كف خطت القرآن ، وتناثر الدم وسقط علي المصحف علي قوله تعالي " فسيكفيكهم الله " ، ثم تجمعوا عليه وهجم عليه رجل اخر هو سودان بن حمدان وطعنه تسع طعنات وقال ثلاثة لله وستة لما في نفسي عليك ، اتي احد غلمان عثمان وهجم علي سودان فقتله ، فهجم احد السفهاء علي الغلام فقتله وهجم غلام اخر اسمه صبيح علي هذا السفيه وقتله ، وهرب من في الدار ، ومات رضي الله عنه شهيدا مضحيا بنفسه من اجل امته في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة في العام الخامس والثلاثون من الهجرة وعمره ثلاث وثمانون عام وخلافته اثنا عشر سنة.
 وصرخ الثوار استحللتم دمه فأستحللوا ماله ونهبوا البيت ، ثم صرخوا بيت المال بيت المال ثم هجموا علي بيت المال وسرقوه ، وانتشر الخبر في المدينة وكان الامر جلل علي الصحابة وفاضة المدينة بالدموع والترحم والثناء عليه ، ونعوه .
يجمع كل المؤرخين انه ما مات احد من قتلة عثمان الا مات مقتولا.
وقتل عثمان بهذه الطريقة البشعة ، قتل صاحب النبي صلي الله عليه وسلم ، ذو النورين زوج ابنتي الرسول صلي الله عليه وسلم ، جامع القرآن ، والرجل الذي تستحي منه الملائكة ، و المبشر بالجنة والشهادة .


تعليقات

تعليق واحد
إرسال تعليق

إرسال تعليق